عائلات الريع في المنطقة العربية
October 30, 2023
وللناس في النقد مذاهب
November 9, 2023

دروس من محاكمة الرئيس دونالد ترامب

يواجه الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب لائحة من التهم تصل إلى 37 تهمة لم يكشف عنها بعد، ويشكل حدث تقديمه للقضاء سابقة تاريخية في أمريكا إذ لم يواجه أي رئيس أمريكي سابق نفس القدر رغم مرور بعض الرؤساء بفضائح أثرت على مسارهم السياسي. تثير المحاكمة مجموعة من الآراء المتضاربة حول حقيقة مدخلاتها وما يمكن أن تسفر عنه من أحكام، إذ هناك من يصنفها بالحدث الطبيعي الذي من خلاله يواجه دونالد ترامب كمواطن أمريكي تهما جنائية وله الحق في الدفاع عن نفسه وهناك من يرى أن
.السلطة التنفيذية تستعمل القضاء لتصفية حسابات سياسية أو هندسة ملامح الفترة الانتخابية المقبلة. أكانت المحاكمة سياسية أو جنائية فإنها تقدم عدة نقاط للدراسة والاعتبار

بادئ ذي بدء، نستشف من المحاكمة حقيقة قدسية العدالة والاستماتة في الدفاع عن حرمتها إذ يتساوى المواطنون ويبقى القول الفصل للعدالة. القانون يعلو ولا يعلى عليه تشريعا وممارسة ولا يخضع لأي نوع من الاعتبارات ولا تتحقق قدسيته إلا بتوازن التشريع مع التنفيذ وعدم حدوث الهوة بينهما والتفعيل الدائم لمبدأ المحاسبة والمساءلة. بكل تأكيد، نتحدث
.هنا عن رئيس أقوى دولة في العالم وعن فاعل اقتصادي وازن ومؤثر ومع ذلك لا يشفع له مقامه الاعتباري في تجنب المحاكمة أو تعطيل حدوثها

ثانيا، من المؤكد أن المحاكمة تمثل اختبارا حقيقيا في مسار التجربة الديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية وتذكرنا باختبار آخر يتمثل في محاولة ترامب الانقلاب على فوز بايدن في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وعدم اعترافه بمصداقيتها وما رافقها من أحداث طفت إلى السطح أثارت عدة شكوك عن تماسك النسيج الديمقراطي للبلد الذي يعاني أصلا بعض التمزق على المستوى الاجتماعي بفعل نشاط نزعات العنصرية وتعمق أحداث العنف. قد يكون البلد بصدد اختبار حقيقي لاستقلالية القضاء وقوة المؤسسات وربما في قلب دعوة جدية إلى
.مراجعة التجربة الديمقراطية ككل والبحث عن سبل تقويتها وحمايتها. بعبارة أخرى، تستمر الدولة بنشاط قوة المؤسسات وتعلو عن جبروت الأشخاص والمناصب والثروات

ثالثا، هناك شجاعة في انفتاح المجتمع الأمريكي على مشاكله الداخلية التي تناقش أمام الملأ وتطرح بتلقائية من خلال تواصل الحكامة مع الناس ولا تستأثر جهة معينة بملفات خاصة
.بل يظل كل مواطن معني بالنقاش و بايجاد الحلول والانخراط في ترميم البيت الداخلي

رابعا، تجد قوة منظومة الأمن القومي الأمريكي قوتها في نوعية العمق الذي تنطلق منه وفي القيم التي ترتكز عليها وفي تفاعلها مع مستجدات الأحداث. في الواقع تظل المنظومة نسقا متحركا متغيرا منفتحا على ما يقع في البلد وخارجه وأي مس بمبادئها هو مس بمستقبل البلد ككل. لذلك فالمس بالقيم من طرف شخص الرئيس له رمزيته الثقيلة ووقعه النفسي على
.العامة و يستدعي التعامل معه وفق القانون بكل صرامة إذ تستقر القيم في قلب الرأسمال الرمزي للبلد رغم افتقاده لحضارة قديمة

خامسا، يشكل العامل النفسي والذهني النواة الصلبة للسياسات الحكومية، إذ يؤمن المواطن الأمريكي أن بلده هو بلد تكافؤ الفرص واحتضان الكفاءات والطموحات. لا مناص من التذكير بدور المهاجرين في بناء البلد وكيف احتضنت أمريكا جيوشا من الباحثين عن الاستقرار والآفاق واستثمرت توقهم نحو إبراز الذات وبحثهم عن الاستقرار المادي والمعنوي في تشييد
.البلد وتقويته. لذلك فعدم توقير قدسية العدالة هو نيل من الجانب الذهني والنفسي للمواطن الأمريكي وخلخلة لثقته في مؤسسات بلده

سادسا، يظل العقل الباطن للحكامة الأمربكية مثقلا بالشعور التلقائي بالذنب واللوم الذاتي لتعدد الحروب والانتهاكات التي هندستها بعض الحكومات السابقة دون إغفال ما نال الهنود الحمر من إبادة واعتداءات. كل ذلك مستقر في الجانب اللاشعوري للعقل السياسي الأمريكي وينحو به إلى الشعور بالارتياب والاستهداف الخارجي، لذلك فلا مفر من تقوية التماسك
.الداخلي من أجل البقاء والنجاة والحفاظ على الريادة العالمية ومواجهة المنافسة الخارجية الهادفة إلى خلق عالم متعدد الأقطاب

ثمة أسئلة تستحق التدبر نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: هل تنخرط المحاكمة في سياق محاولة إيقاف زحف الشعبوية الجارف؟ كيف سيتعامل الحزب الجمهوري مع المحاكمة؟ هل يستفيد ترامب من المحاكمة باعتبار بعض المكاسب المادية والمعنوية التي حققها لحد الآن؟

تم نشر المقالة على رأي اليوم 16 يونيو 2023 أنقر

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *