FROM HUMAN BEING TO ROBOT
June 16, 2018
TURN THE TABLES ON SOMEBODY
July 14, 2018

من واقع التسليم باليقينيات إلى ثقافة طرح التساؤلات

غالبا ما نميل إلى الجزم بالأشياء ومنحها صبغة المطلق عوض النسبي تفاديا للمجهود الذهني الذي قد يتسبب لنا في الأرق والشك. معظم قناعاتنا تنبعث من مخيال اجتماعي رهيب وارث ثقافي منسي غير مدروس لم تسبر أغواره بعد وأفكار اكتسبت القدسية دون عناء النقد والتمحيص. قد يصنف هذا المنحى المسيطر على بنية عمل العقل العربي في قلب رحم عوائق مسار التنمية المعطل منذ زمن سحيق

هل الميل إلى التسليم باليقينيات مقابل النفور من التمعن والبحث والتدقيق مسالة تلقائية؟ أم هي عملية موجهة نحو أهداف محددة سابقا؟

نافل القول أن النفس البشرية تميل إلى الأيسر من الأمور و المتناول بدل السعي الحثيث وراءها وركوب أمواج الصعوبات التي تكتنف الوصول إليها ادخارا للجهد والوقت وابتعادا عن القلق والريب. تكتسي المسالة أهمية قصوى حينما ندرك أن قراراتنا المستقبلية تولد من رحم إيماننا اللامشروط بزخم من اليقينيات دون فسح المجال للدراسة والتدقيق والتشريح والانفتاح على الاحتمالات الواردة. غير أن ذلك يلوذ بها إلى الكسل وتعطيل عملية إعمال العقل وتقبل كل ما يستقبله كمسلمات لا يعتريها الشك أو الخطأ في غياب آليات اشتغال الحس النقدي لدى المتلقي. الأمر الذي يعبد الطريق أمام السيطرة على الإدراك الفردي والجماعي والخضوع لسلطة الآخر والضياع في غيابات التأخر والتذمر خصوصا عندما تعتبر الجماعة كل اجتهاد أو خروج عن النمط بدعة أو زندقة أو هرطقة. ألم يؤدي التمسك بنمط التفكير المألوف إلى العدم والمزيد من الإخفاقات وتراكم الخيبات؟

تمكن عملية التمرد على اليقينيات ومحاولة تفكيك حقيقة عناصرها من التخلص من الوهم ومجابهة الواقع بواقعية فهمه ومسايرة منحى تغيراته، اكتساب استقلالية التفكير وتوطيد قيم الاعتماد على النفس والتحكم في زمام الأمور للتخلص من سلطة الآخر، التمرد على الجاهز الجامد والبحث عن الحركي عبر الانفصام عن سلطة براثن الموروث الثقافي الجامد الميت وبعث الصحوة في عناصره بالتفاعل الإيجابي مع مكوناته وإعادة إحيائه واستغلال كنوزه، إطلاق العنان للخلق والإبداع والإثراء، الابتعاد عن الميل إلى الجزم بالمطلق وتغليب النسبي للارتواء والاكتساب، كبح النزعة العاطفية والسير نحو العقلانية أثناء محاولة فهم ما يجري من مستجدات، وبناء وعي جماعي نقدي يشكل المناعة الحقيقية في رفض التطرف وإغراءات الاستمالة

يسهل الأخذ باليقينيأت عملية انتشار الشعبوية و تغلغل فكر التطرف والتعصب وغلبة العنف والتوغل في سلسلة مفرغة من جينات التخلف اللامنتهية

باقتضاب تحرير العقل من سلطة اليقينيات هو تحرير للذات الفردية وتأسيس لبناء نسق متين للذات الجماعية والسير بها نحو التقدم والرقي وفرض الاحترام على الآخر. فإما أن تقود نفسك إلى معراج الكرامة والعزة وإما أن يقاد بك إلى درك الذل والمعر

تم نشره بجريدة راي اليوم بتاريخ: 11 يوليوز 2018 من واقع التسليم باليقينيات إلى ثقافة طرح التساؤلات

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *