عقلية المظاهر ومجتمع التفاهات
April 16, 2016
التــــواكـــل وتآكل المجتمع
April 22, 2016

العمل كقيمة معنوية

يكتسي العمل قيمة معنوية أكثر منها مادية. فالجميع يعمل وبكد لسد حاجيات المعاش اليومي، والكل يطمح إلى تحسين مستوى العيش ولما لا الاغتناء لضمان حياة مادية يسيرة و كريمة. غير أن العمل يبقى قيمة معنوية في حد ذاته، فمن خلاله يعبر الشخص عن كيانه ويبرز مهاراته المفترض تسخيرها في خدمة المجموعة ككل
فالإقدام على مزاولة أي نشاط مهني يغذيه إصرار نفسي ذاتي يرجو طمأنة النفس وكبح نزوات الكسل والتواكل التي تنتابها من حين لآخر. إذ أن احتراف أي مهنة هو في حد ذاته إبراز لوجود الشخص كفاعل حقيقي يساهم في حركية الاقتصاد الوطني، كما أنه إسهام في خلق الثروة وتحقيق التنمية. فشرف خدمة المجموعة و الإسهام في إغنائها لا يعلى عليه. عموما فالعمل كقيمة معنوية يفرض الاحترام والتقدير على الجميع و إذا كان هناك أي احتقار لحرف معينة فهذا ينم عن خلل في جوهر المجموعة وثوابتها ينبعث من جهل مطبق أصاب أفرادها وتغلغل في نسيجها الاجتماعي أو حتى وعيها. فمعظم الأفراد يهتم بكل ما هو سطحي و خارجي و لا يكترت أو لا يعي كل ما هو باطني و جوهري. إذ أن الخلل في تقدير الأشياء هو الخلل في المعتقد، النسق الأخلاقي و الثوابت الشخصية لكل فرد. لا محالة أن وضعا كهذا لا يمكن أن ينعت إلا بالتخلف و التقهقر الناتج أساسا عن تراكم كل أنواع الجهل عبر قرون من الزمن
أم المتناقضات تكمن في كوننا نحتقر مهن معينة رغم أننا ندرك مدى أهميتها في استمرار المجموعة ككل، ولا نملك الشجاعة حتى للقيام بها خشية لأقوال الآخرين، لماذا نزاولها إذن عندما نهاجر إلى دول أخرى؟ هنا العمل في حد ذاته لا يكتسي أي قيمة معنوية بل هو قيمة مادية تدرك من خلال الدخل المادي الممكن تحصيله
باختصار، احتقار بعض المهن هو جحود لجهود أفراد أفاضل، و تكريس لجبن يسكن خوالجنا، من جهة أخرى يجد هذا الوباء القبيح مرجعيته من خلال التفكير و التساؤل عن طبيعة الهذف من الذهاب إلى المدرسة و الإلحاح على التربية النظامية. فالهدف الذي تم ترسيخه في وعينا هو الحصول على شهادة عليا لإدراك مهنة محترمة تضمن دخلا محترما ( كما هو مشاع بيننا). كل هذا معقول وضروري لكنه لا يمثل الهدف الوحيد من تعلمنا. بل هناك أهداف عدة لا يمكن التغاضي عنها
الاحترام لا يقيم بالشواهد أو الأجر المحصل عليه وإنما يجد ثوابته في شرعية العمل و مطابقته لأخلاقيات المهنة من الإخلاص و التفاني في العمل، حب مزاولة ذاك العمل إلى الإقدام على التضحية بالمصلحة الفردية خدمة لمصلحة الجماعة ، إذ أن ممارسة بعض المهن تتطلب التضحية ببعض المصالح الشخصية (كالابتعاد عن الأسرة، الاشتغال ليلا، مزاولة عمل له مخلفات مزمنة على صحة الفرد
العمل هو أساس الاغتناء و الارتقاء في السلم الاجتماعي في وعي الدول المتقدمة و ليست هناك أي معايير أخرى تفنذ ذلك
فالحركة هي منبع التغيير وليس الاكتفاء بالنية أو التمني. كما أن سلوك الفرد يقيم بما يقدَّم من خلال معاملته للآخرين و إسهاماته
سيظل العمل أساس كل تغيير يرمي إلى إحداث القطيعة مع واقع الذل والهوان الذي نعيشه

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *