وللناس في النقد مذاهب
November 9, 2023
في رحاب رواية الخيميائي لباولو كويلو
December 18, 2023

عن قيمة الجد والعمل في رواية مزرعة الحيوان من ملحمة التحرر إلى مقصلة الجحود والإعدام

من المؤكد أن رواية مزرعة الحيوان للعملاق جورج أورويل تمتلك راهنية قوية تتحدى البعد الزمني وتمنح من الإسقاطات التي تستحق الدراسة والتدبر. نعلم جيدا أن قوة هذه التحفة الأدبية تكمن في البناء العميق للشخصيات والاشتغال المحكم على أبعادها النفسية والذهنية والسيكولوجية وإمكانية إسقاط أحداثها على وقائع الحاضر. حقيقة، تستحق كل شخصية من
.لرواية الدراسة المعمقة من أجل استيعاب ما يحدث حولنا من أحداث والخروج بتصورات رصينة تعين على تدبير الأزمات وتبصر المستقبل

من بين الشخصيات المحورية في الرواية نتحدث عن شخصية بوكسر الحصان القوي الحامل لذخيرة من القيم و المنخرط فعليا في أحداث الرواية. في الواقع تمثل شخصيته فئة عريضة من الناس وتطرح مجموعة من الأسئلة للنقاش، إذ هناك من يراه في كنه ذخيرة المواطن المخلص المتفاني والمستعد للتضحية من أجل بلده كيفما كانت الظروف، وهناك من يصنفه في
.خانة المواطن الساذج المنخرط ضمنيا في ترسيخ الديكتاتورية والحكم المطلق

تجسد شخصية بوكسر المواطن المتعطش إلى التغيير والتنمية والانخراط في بناء مستقبل أفضل. يؤمن بقيمة العمل الجاد في مسار البناء ويقدم على المبادرة الفردية من أجل إعطاء المثل وترسيخ هذه القيمة. منذ سقوط حكم مالك المزرعة وطرده خارج حدودها، لم يتردد الحصان بوكسر في التعبير الملموس عن حبه وإخلاصه للجماعة، التضحية في سبيل قضية التحرر وبناء وطن الكرامة، قدرة خارقة على التحمل والصمود وعدم الاستسلام ،نكران الذات والمبادرة، الثقة التامة في صناع القرار، التحفيز الذاتي المستمر، عدم البحث عن الأعذار
.أو تقمص دور الضحية، همه الوحيد يتلخص في: العمل ثم العمل ولا شيء غير العمل من أجل خلق التغيير

ترمز شخصية بوكسر إلى فضيلة العطاء الغزير وبدون انقطاع إلى آخر رمق من حياة الإنسان دون ترقب أي مقابل أو حتى التعبير عن المعاناة والوجع خلال فترة المرض، لكنه عطاء
.مثاليا يفتقد للعقلانية حرم صاحبه حتى من حق العلاج في فترة مرضه وحق التقاعد وباعوه بثمن بخس، إذ حتى جثته لم تسلم من الاستغلال

:تحيل عملية سبر أغوار شخصية بوكسر على مجموعة من الأسئلة والدروس والعبر، نركز منها على ما يلي

هل للتضحية من قيمة إذا أوجدت في البيئة الخاطئة؟ أليس أثرها بالعكسي والقاتل مادام يخدم أنانية المستفرد بالحكم؟

تبقى تجربة بناء دولة المؤسسات الكفيلة بحماية الأفراد من الاستغلال البشع والاستعباد وتسلط الحاكم وحاشيته، إذ من خلال المؤسسات تمارس قيم المحاسبة والمساءلة ويوضع حد لنزوات من يتربع على هرم السلطة. كما أنه في كنف هذه التجربة يجد مبدأ التكتل والتضامن شخصيته ممارسة و تحفظ الحقوق وتصان الكرامة وتوزع الثروات بطريقة عادلة وتقنن
.المبادرة الفردية ويحظى صاحبها بالرعاية والحماية والتحفيز بعيدا عن العطف والاستعطاف ومذلة السؤال

لا تحيل نعرات الفردانية والأنانية إلى على التشتت والتشرذم والتحيف وصناعة الطاعة والاستعباد، إذ أن النيل من جزء من التكتل هو بمثابة النيل من التكتل بأكمله، أليس المس بكرامة فرد من الجماعة هو مس بالجماعة ككل؟

النية السليمة لا تكفي وحدها في تدبير الأمور والتعامل مع الآخرين، إذ تغدو سذاجة تجذب إليها الأطماع والأوغاد من مصاصي الدماء، من هنا ضرورة الإقدام على بناء حس نقدي
.يحمي صاحبه من الاستغلال والاستقطاب والاستلاب

.إذا لم تستطع تملك قيادة نفسك، هناك من سيتولى الأمر بدلا عنك

كل ما يروج من أخبار لا يخلو من أكاذيب وأباطيل بروباغندا، حيث تتم عملية الترويج وفق أجندة معينة تبدي ما يخدم مصالحها و تبطن ما يجهز عليها. يبقى مصدر الخبر ومن وراءه
.هو الحلقة المفصلية في العملية برمتها

تم نشر المقالة على رأي اليوم 22 يوليوز 2023 أنقر

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *