” أَلَمۡ یَجِدۡكَ یَتِیما فَـَٔاوَىٰ ٦ وَوَجَدَكَ ضَاۤلا فَهَدَىٰ ٧ وَوَجَدَكَ عَاۤىِٕلا فَأَغۡنَىٰ ٨”
آيات قرآنية زاخرة بالحسنات والأمل وبشرى الانتقال من وضع النقص والافتقار والحاجة والضلال إلى وضع الكفاف والغنى والهدى والارتقاء. قد تعبر الآيات الكريمة عن حدث يقيني
.يحمل في طياته بشارة للناس تبطن من الأبعاد ما لا تبدي وتدعو الى تدبر مستمر لتعدد القراءات والتأويلات
من المؤكد أن كلمة اليتم في أول وهلة تحيل على فقدان الأب والعيش في حرمان حنانه وكفالته ورعايته المادية والنفسية. بإسقاط هذه الآية على حالة النبي ص نفهم ضمنيا من اليتم
.فقدان الأب ومن الإيواء عملية تكفل الجد ثم العم بتربيته
لكن، ربما يكون المقصود أعمق خصوصا اذا كان موضوع الآية هو النبي القدوة الهادي القائد الملهم صاحب الثورة التي استهدفت المفاهيم والتصورات ونمط الحياة. المسألة إذن
.أعمق من أن تحصر في نطاق البعد الديني المتعلق أساسا بالاعتقاد و الإيمان وربما تخاطب أبعادا متعددة ومتداخلة
باستحضار تاريخية الوضع، نتمكن من استيعاب أعمق لدواعي نزول الآية في منطقة جغرافية كانت تئن تحت وطأة الرتابة والتبعية والانشطار والاحتكار وسطوة الحس القبلي على ما سواه وانتشار القحط بجميع أنواعه سواء السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو حتى الطبيعي. كانت القبائل مفككة وتعيش في ظل جبروت قوى اخرى وتعاني من الذل وعقد النقص
.والتأخر. لذلك فاليتم والضلال كان يطال الجميع ويلقي بضلاله على تفاصيل الحياة في تلك المنطقة البئيسة
ربما يعتبر الأكل والشراب والمسكن من المسلمات المادية في نسق حياة كريمة، ومع ذلك نتصور أن الأمر يتعدى ذلك ويتعلق بما هو نفسي وذهني وقدرة على التحكم في الغرائز البدائية لإعداد النبي القائد للنهوض بالمهمة الجليلة والمسؤولية التي يهابها جبروت الجبال. وقد تم إيجاد ذلك من خلال تسخير أشخاص ساهموا في بناء توازنات شخصيته النفسية
.والذهنية ووفروا له الحب والدفء والاهتمام من جد وعم وزوجة العم ثم الزوجة الاستثناء
ثمة اعداد ممنهج لاجراء القطيعة مع التصورات القائمة والأوهام القاتلة والاقتراب من الحقيقة للنجاة من الضياع والتشرذم والعزلة في وسط يجرم حق التفكير ويتميز بفوضى المفاهيم ولا يجيب عن الأسئلة التي تؤرق الفكر ولا يشارك نفس الهواجس والقلق وعناصر أسئلة التدبر. ينحو النبي نحو التدبر وإعمال العقل من خلال تجربة غار حراء من أجل فهم أعمق للوجود والمادة وتدبر أثر القوة الخفية وراء كل ذلك والتطلع والإقبال على بناء المستقبل عوض الاستمرار في العيش في قيود الماضي و التقيد بموروثه الثقيل. من هنا قد يكون الإيواء
.هو ملاذ الأجوبة ومصدر البصيرة والحكمة و طمأنينة النفس و تباث الرؤية
أليس الضلال من مخرجات فقدان الرؤية الصحيحة وسببا في هدر الوقت والموارد البشرية والمادية وتراكم الاضطرابات النفسية وفقدان الثقة في النفس والعيش في كنف الأوهام والسراب والانتهاء بالاستسلام الى اليأس والضياع؟
تم نشر المقالة على رأي اليوم يوم 23 نوفمبر 2022 أنقر