CONFUSING WORDS (Listen & Hear)
September 10, 2017
Dairy & Diary
September 12, 2017

من أجل تعاقد اجتماعي سياسي مبني على الثقة

يتميز الواقع السياسي العربي بالفوضى والعبث وغياب الرؤية المستقبلية لإنشطار الوظيفة السياسية عن دورها المفصلي في خدمة المصلحة العامة

لا جرم أن أساس كل تعاقد اجتماعي يبنى على مبدأ الثقة المتبادلة بين المتعاقدين في إطار قوانين عامة تقنن شرعية وآليات عمل التعاقد الملزم لكل الأطراف

غني عن البيان القول أن الثقة كقيمة معنوية أضحت مفتقدة مما جرد ماهية التعاقد من كل قيمة أو حتى رمزية معنوية. هناك نفور العامة عن تتبع كل ما هو سياسي ما عدا السطحي الشعبوي الذي تبثه معظم وسائل الإعلام كنتيجة حتمية لمجموعة من العوامل والإفرازات

أول من يلام هو نظام التعليم المتبع منذ عقود والذي لم يفرز إلا الاختلالات والتباينات الاجتماعية وعمَّق الجهل بكل أنواعه وحارب الفلسفة والفكر وكل ما هو تنويري مقابل نشر الرداءة بمعية سياسة إعلامية مزقت لحمة النسيج الاجتماعي وأبعدت المواطن عن أدبيات مكارم الأخلاق والمعاملات. انفصل نظام التعليم عن وظيفته الإنسانية السامية في بناء العقول والكفاءات وصار بركانا لانبعاث حمم من الأوبئة الاجتماعية

فكيف لمواطن لا يملك حتى الحد الأدنى من الوعي الثقافي والسياسي التفاعل بإيجابية مع ما يقع بالبلد أو المساهمة في تقدمه. فهو مجرد من حرية الاختيار الصحيح إذ يفتقر إلى الوعي السليم والحس النقدي الذي يمكنه من التمييز بين حقائق الأمور وخفاياها و ينحصر تركيزه على إشباع حاجاته الأساسية من مأكل ومشرب وصحة

من العبث إذن التكلم على الثقة وأفق ترسيخها و استمراريتها عندما تغتصب الحريات الفردية والجماعية على حد سواء

كما أنه من الطبيعي أن نلحظ في وضع كهذا طغيان النزعة الفردانية على كل ما هو جماعي وتسخير جميع السبل لإرضاء الأنا

من الناحية النفسية عندما تفتقد الثقة يسود الشك والارتياب وتصعب عملية إعادة بناء الثقة وتستحيل مع مرور الوقت وتناسل الأزمات. يمكن اكتسابها تلقائيا عند البداية من خلال إبداء حسن النية أو الإقناع بأدلة تفند الشك لكن إذا ألمت بها الشوائب تذوب وتختفي كدوبان الملح في الطعام

من النافل القول أن تراكم الانتكاسات أدى إلى إشاعة اليأس وفتور أمل النهضة بعد استنفاد واستعارة مجموعة من الأيديولوجيات من اشتراكية، وقومية، وليبرالية… لم نعد نهتم لمضامينها حيث الواقع واحد ونفس الأزمات تتعقد وتتكرر منذ عقود ولا يلمس أي تغيير على المدى القصير أو البعيد. في وضع كهذا لن يسود إلا التعميم والأحكام المسبقة والمسلمات السلبية القاتلة من طرف العامة التي أصيبت بالملل والقرف من خلال تعاقب وتداول نفس الوجوه التي تتبع نفس السياسات والبرامج إن وجدت لأن الغالبية تعتقد أن ناصية الأمر ليست بيد الحكومات بل بيد المنظمات الدولية

عندما تتسيد نزعات الأنانية والانتهازية المشهد السياسي بكل صفاقة ووضاعة ويعلو الارتزاق السياسي فكيف يطلب إذن من الفرد النهوض بواجباته والإسهام بفعالية في عملية الإصلاح والإقلاع بكل انواعه. فهو لا يضع ثقته في أحد وغير مستعد لتجربة خيبات أمل أخرى تنضاف إلى مرارة ما سبق

الدولة مطالبة بإبداء حسن نية من خلال أفعال تؤسس على أرضية تعاقدية جديدة مبنية على الثقة واحترام كيان وكرامة المواطنين في واقع يسوده العدل وسيادة سلطة القانون لتقوية الحس الوطني وحق الانتماء. أوراش الإصلاح تنطلق من خلال ورش إصلاح التعليم لإنتاج مواطن قادر على الاختيار والتعبير السليم عند أداء واجباته للشروع تلقائيا في الأوراش الأخرى

تم نشره على يومية راي اليوم بتاريخ 11 يوليوز 2017 من أجل تعاقد اجتماعي سياسي مبني على الثقة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *