عن هول الفوضى اللغوية أتحدث!
July 10, 2023
الاستيطان الناعم
July 26, 2023

في صلب هواجس احتجاجات الشارع الفرنسي

لا زال المواطن الفرنسي يدافع باستماتة عن رفضه التعديل المقدم من أجل إصلاح نظام التقاعد والذي يراه نيلا من كرامته وحقوقه الشرعية رغم أن الحكومة تقدمه على أنه الإصلاح الوحيد القادر على إنقاذ صناديق التقاعد وإبعادها عن شبح الإفلاس. بخروجه إلى الشارع إذن يدافع المواطن الفرنسي على نمط عيش بأكمله وليس فقط على حق المعاش ويتصدى لمن
.يعجز عن إيجاد الحلول العبث بحقوقه رغم الأزمة والظروف الدولية المتقلبة. يكتنف الاحتجاجات بعد نظر وتبصر للمستقبل وصون نضال من سبق من الأجيال

من الطبيعي أن تختلف القراءات والتأويلات لاختلاف القناعات والحمولات الثقافية والنفسية والذهنية. في الواقع، هناك من يرى المواجهات بين المتظاهرين ورجال الشرطة وما يكتنفها من عنف عيبا يعتري التجربة الديمقراطية الفرنسية وتكذيبا لحقيقة قيمها، نختلف معهم ونرى أن الأمر عرضيا و تجليا من ممارسات التجربة الديمقراطية في موطن فلسفة الأنوار إذ أن نسيج الوعاء الديمقراطي متين ويستوعب جميع الرجات بل يتقوى بها ويتأقلم مع التطورات. هناك من يميل إلى الحديث عن حراك، لا نشاركه الرأي حيث نرى أن الميل إلى هذا النوع من القراءة مجرد إسقاط لما وقع في المنطقة العربية أثناء الربيع العربي وتوق الناس إلى حراك يأتي بالخلاص من قيود الانكسار والخيبات والهوان. فدول الشمال لا تحتاج للحراك سعيا للتغيير الجذري حيث ثقافة المؤسسات لديها متجذرة في الوعي الجماعي والممارسة الديمقراطية مقننة بسلطة الإعلام واستقلالية القضاء ومؤسسات المجتمع المدني رغم النواقص والشوائب التي تعتريها وتنزع عنها المثالية والانسجام خصوصا عندما يتعلق الأمر بممارستها مع دول الجنوب. لذا من غير الممكن أن تختزل التجربة في أحداث معينة ويتم
.القفز عن ثلاثة قرون من البناء والتفاعل والشد والجذب بين الحاكم والمحكوم ومقارنتها بما يقع في المنطقة العربية

.من المؤكد أن الاحتجاجات الشعبية الفرنسية ترسل من الرسائل ما يستحق الالتقاط والدراسة. لا ضير إذن من استعراض بعض ما نستشفه منها

بادئ ذي بدء، يدافع المواطن الفرنسي على التجربة الديمقراطية الفرنسية برمتها ويرى أن أي تنازل هو بمثابة الشعلة التي تتوهج ولا تنطفئ حتى تأتي على الأخضر واليابس. فهو يصرح ضمنيا بأن زمن الوصاية ولى منذ قرون ولن يعود و لا مجال للاستئثار بالقرار وفرضه على الشعب: المواطن الفرنسي فاعل له مقام واعتبار وحضور ولا يقبل أبدا بواقع الرعية والإملاءات الفوقية. ومع ذلك، لا مناص من الاعتراف بوجود ذاك الصراع الخفي الأزلي بين من في التدبير وبين الشعب في وجود فضيلة قانون يعلو على كل شيء ويسود و يؤطر
.تفاصيل الممارسات والمعاملات

ثانيا، تكتنف الاحتجاجات استماتة في الدفاع على الدولة الاجتماعية وقيمها المفصلية مع الرفض القاطع لاستيراد نموذج ليبرالي صرف يتعارض مع الخصوصية الثقافية المحلية خصوصا أن الجمهورية ظلت ممانعة للعولمة ورافضة الانصهار الكلي في الفكر الليبرالي الشرس. بعبارة أخرى، تعتبر الاحتجاجات تجسيدا للدفاع على منظومة القيم المتوارثة من
.نضال الأجداد والأسلاف والتي تشكل النواة الصلبة في تصور الدولة الاجتماعية واستمرارية نسقها الفكري والقيمي

ثالثا، هل الأزمة سياسية أم اجتماعية؟ هل الأزمة وليدة غياب فكر بديل قادر على ملء الشرخ المحدث من الصراع الطويل بين اليمين واليسار والذي وعد ماكرون بتحقيقه في حملته الانتخابية؟

رابعا، نعلم جيدا أن الثقافة النقابية في فرنسا ليست بثقافة حوار وإنما ثقافة مواجهة واحتجاج. لذلك يبدو أن حدة الاحتجاجات أمر طبيعي وليس بالشاذ الذي يهدد التجربة الديمقراطية الفرنسية. لقد عاشت فرنسا احتجاجات مماثلة ضد قرارات بعض الرؤساء الذين أجبروا على سحب مشاريعهم والتراجع عنها. لذلك فسحب القرار لا يعني بتاتا هزيمة الدولة والحديث
.عن انفلات أمني يستوجب التريث والحذر في الطرح

.خامسا، من في التدبير مطالب بإيجاد وإبداع الحلول ولا خيار أمامه إلا الانسحاب في حالة الفشل. مثلما حدث في بريطانيا منذ استقالة ديفيد كاميرون وما تلى ذلك من تطورات واستقالات

سادسا، حقيقة التمسك بقدسية مبدأ المحاسبة والمساءلة من أهم ثوابت التجربة الديمقراطية. ما دمت مواطنا أقوم بواجباتي واحترم القانون وانخرط فعليا في الشأن السياسي، لست
.المسؤول عن حدوث العجز في صناديق الاقتراع ولن أكون كبش فداء مقترحات الإصلاح

سابعا، هناك وعي جماعي بضرورة ممارسة حق التظاهر رغم الاقتطاعات من الأجور بسبب التغيب عن العمل إذ يحظى الشارع بالتأطير النقابي والدعم السياسي في ظل نقابات متحدة
.ومتضامنة وإجماع بين أطياف المشهد السياسي حول رفض التعديل وقوة هذا الإجماع أجبرت الرئيس على تغيير أجندته و تأجيل استقبال زيارة الملك تشارلز الثالث إلى وقت لاحق

تم نشر المقالة على رأي اليوم 10 أبريل 2023 أنقر

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *