في ظل طغيان الماديات والغرائز الحيوانية على سلوكنا اليومي وشيوع نزعات الهيمنة والسيطرة والتملك تتضح أهمية الأمن الروحي في استقرار النفس وضبط السلوك وكبح جماح غرائز الخوف والقلق وضمان الأمن والاستقرار
مما لاشك فيه أن الدولة كمؤسسة حاولت ضمان حد معين من الأمن الروحي لدى المواطنين من خلال سياسات وزارة الشؤون الدينية بمراقبة المساجد أو بمعية زوايا التصوف الديني التي تقوم بتأطير الناس بإتباع طرق صوفية تعبدية مختلفة. غير أن مقاربة الدولة تبقى أمنية بامتياز يسودها التوجس واليقظة والحذر وتركز على الممارسة أكثر من الإدراك والفهم. ربما بمزيد من التمعن والتدبر يتضح أن مسالة الأمن الروحي أكبر من أن تختزل في إجراءات آنية أو سياسات قصيرة النظر تختزل المسألة في اختصاص وزارة واحدة
أضحى أمننا الروحي مستهدفا من طرف تيارات أيديولوجية تخدم بالأساس أجندة سياسات جيواستراتيجية متعطشة للسيطرة والهيمنة وقتل مناعة وممانعة الهوية المحلية. لاداعي لتسميتها مادامت تتقاسم نفس الأهداف و الأبعاد واحيانا المصالح. هل سيتم مواجهة هول هذه المخاطر بسياسات وزارة واحدة تنسق في أحسن الأحوال مع مصالح وزارة الداخلية؟
تظل تحديات الإرهاب والتطرف وانتشار العنف معقدة وصعبة التناول أو المعالجة، إذ تنتشر بوتيرة سريعة وتتشعب خيوط أنسجتها داخل المجموعة فتكون بالتأكيد آثارها مكلفة بالغة الخطر. فالمجتمع العربي كما هو معلوم يعاني من اضطرابات داخلية تهدد تماسك نسيجه الداخلي، إذ نعاني من ذخيرة من الاختلالات النفسية والاضطرابات السيكولوجية اللامنتهية التي تنمو بفعل مشاعر اليأس والإحباط بعد مجموعة من الانكسارات الفردية والجماعية وفقدان الثقة في النفس وإفلاس مضامين التعاقد الاجتماعي والاقتصادي بين الدولة والشعب مما يشكل المجال الأنسب لكل غزو أو اختراق خارجي
تحارب البنية الفكرية السائدة في الوطن العربي كل محاولة إصلاح ديني أو قيام ثوابت فكر نقدي سليم أو بث حركية صحية في رؤيتنا للتاريخ ودراسته لتعبيد الطريق لقطيعة مرجوة مع سلبيات الماضي البعيد وقيوده. ونظل ضحية عملية الاستلاب الثقافي بعد عقود طويلة من الاستعمار الأجنبي بكل أنواعه
كيف يمكن الحديث إذن عن أمن روحي في مجتمع عربي غارق في تراث جامد طلق الاجتهاد منذ زمن بعيد ويقدس لثوابت لا تعد ولا تحصى؟
تبتدئ عملية بناء الأمن الروحي من البيت داخل وسط تربوي سليم ومتوازن، يقع الجزء الأوفر من المسؤولية على الأم باعتبار البنية الثقافية للمجتمع العربي و مخياله الاجتماعي. فيتم الانتقال إلى المدرسة والتربية النظامية. غيران الواقع يبين أن كل من التربية الأسرية والتربية النظامية غير قادرتان على رفع التحدي ومنح الفرد ذاك الاستقرار النفسي و الروحي للانخراط الفعال والسليم في الحياة اليومية
في ظل هيمنة الجهل والرجعية والانغلاق والانهزامية على تفكيرنا اليومي، هل يمكن الحديث عن أفاق بناء وعي بحساسية مسالة الأمن الروحي لدى المواطن العربي المنهمك التفكير في سد رمق قوته اليومي؟
تم نشر المقالة على صحيفة رأي اليوم بتاريخ 03 فبراير 2018 أنقر