من النافل القول أن عالم السياسة هو عالم المصالح بامتياز حيث تعلو مصلحة الوطن على الجميع سواء في النسيج السياسي الداخلي أو على مستوى العلاقات الخارجية
هناك ظاهريا تداولا للسلطة بين الأحزاب السياسية داخل البلد الواحد، كل حزب يسعى إلى استقطاب أكبر عدد من الناخبين ببرامج تدعي تحسين مستوى عيش المواطنين. غير أنه من أوجه العبث هو تشابه تلك البرامج لدى كل الأحزاب السياسية وغياب الواقعية والجدية في إعدادها إن تم ذلك ولو نسبيا تبعا لأدبيات الأعراف والممارسات السياسية
يتم توظيف عقائد وإيديولوجيات مختلفة لاستمالة الناس ودغدغة مشاعرهم بخطابات تميل أحيانا إلى الشعبوية أكثر منه إلى الواقعية. وعند الوصول إلى مراكز القرار تنعدم البرامج التي روج لها ويتم الانغماس في العقائد والايدولوجيا
عرف الوطن العربي ولا يزال بزوغ وأفول مجموعة من الأيديولوجيات سواء أكانت اشتراكية، شيوعية، ليبرالية، قومية أو تيارات حركات الإسلام السياسي. غير أنها عند المحك لم تستطع إحداث أي قطيعة مع الماضي أو إحراز أي تقدم أو حتى زرع بذور التغيير المنشود، مما أدى إلى تراكم الانتكاسات ونفور المواطن العربي عن السياسة وتسفيه ممارسيها عامة
تتعدد التفسيرات وتتشابك بخصوص صعوبة الانتقال من العقائدي والإيديولوجي إلى العقلاني والواقعي
فالبرامج المقدمة عند الانتخابات لا تنطلق من الواقع الكائن وتفتقد الرؤية إذ ينحصر هدفها في استمالة عاطفة الناخب، وتوظف الايديولوجيا والخطابات العقائدية وتركز على تقديم ما يود سماعه الناخب لكسب وده. كما أن هول الاكراهات والتحديات (المديونية الخارجية، بنود الاتفاقيات الدولية، الاختلالات الاقتصادية البنيوية الداخلية، الأزمات الاجتماعية والاقتصادية من فقر وبطالة وتوزيع غير عادل للثروات…) وفداحة الموروث يفوق كل البرامج نوعا وكما فيلتزم السياسي خطابه العقائدي وينسلخ عن وعوده السابقة ويلعب دور الضحية التي تم استغلالها لإطفاء غضب الشارع وتصبح المصلحة العامة في نطاق اللامفكر فيه
كما قد يكون توظيف العقيدة و الايديولوجيا فقط كأداة للوصول إلى المناصب والاستفادة من الريع السياسي و الغنيمة الاقتصادية فيتم الانسلاخ عنها فور بلوغ الغاية ويحدث الانشقاق ببروز التناقضات الداخلية للحزب
من جهة أخرى تواجه الحكومة المنتخبة حكومة ثانية متمرسة مطلعة على خبايا الأمور تقاوم أي عملية تغيير قد تهدد مصالحها. فتضيع مصلحة الوطن في خضم صراع داخلي يضيع على البلد سنوات أخرى ويعمق جذور التخلف والضياع
وتظل القوى الإمبريالية العائق الأكبر أمام تحقيق هذا الانتقال بتدخلها الصارخ في شؤون الدول المستضعفة وتشكيل مستقبلها على المنوال الذي يستديم سيطرتها على خيرات البلد المغلوب على أمره، فتكون بذلك وراء اختيار النخب التي تتداول السلطة كل حسب سخاء استعداده لتقديم المزيد من التنازلات