في أفق تبني رؤية استشرافية عقلانية لنكبة العرب والمسلمين
April 5, 2019
في غمار عملية تقديس الأشخاص في العالم العربي
April 5, 2019

عن ظاهرة تدفق المهاجرين الأفارقة على الحدود الأوربية

اعتدنا مؤخرا على مشاهدة صور طوابير المهاجرين الأفارقة نحو أوروبا خصوصا بعد ما سمي بأحداث الربيع العربي، فأضحت المشاهد المتداولة عبر وكالات الأنباء العالمية أمرا مألوفا أجبرنا على التعايش معه رغم مرارته. مما لاشك فيه أن المشكلة قديمة غير أن وتيرة انتشارها غير طبيعية
تشتكي الدول الأوربية من تدفق المهاجرين على حدودها وتصنف الظاهرة بالاكتساح والمد الذي يهدد سيادتها، تلوم وتوبخ الحكومات الإفريقية وكذا دول العبور وتحملها المسؤولية بعد اكتوائها بلهيب الحمم البركانية القادمة من الجنوب في شكل جيوش بشرية ضحَّت بكل شيء من أجل ولوج القارة الأوروبية. نميل إلى الاعتقاد أن النظرة الأوروبية للظاهرة تنبعث من رحم غرائز التكبر والاستصغار والوصاية التي تطغى على الوعي السياسي الأوربي. لكن هناك سؤالا يُطرح للتدبر، ألم يكن لأوربا الوزر الأكبر في بزوغ الظاهرة وتفشيها
تجد الظاهرة جذورها في أحداث تاريخية قديمة كانت أوربا أهم محركيها. ارتكزت النهضة الأوروبية عند أحد أهم أطوار مسارها على التوسع باستباحة خيرات وأبناء القارة الإفريقية بدعوى نشر قيم الديمقراطية وثقافة حقوق الإنسان، غير أنها أوجدت المجال الفسيح لإطلاق العنان للمكبوت النفسي الأوروبي من أنانية وسيطرة وطموح وجشع و أجهزت على المقومات الطبيعية والبشرية للبلدان المستضعفة وأسست لتقويض الهوية المحلية مستغلة هشاشة نظام الحكم السائد بالبلد وضياعه في دوامة التخلف والجهل
استمرت السياسة الأوروبية الإمبريالية التوسعية على نفس المنوال رغم حصول الدول الإفريقية على الاستقلال (ظاهريا) بل تعمقت أبعاد الاستعمار والاستغلال بمعية نخبة من سكان المستعمرات تم انتقاؤها وإعدادها لخدمة المستعمر وأهدافه ولكن بطريقة لينة وعن بعد. نوع من الإقطاع الاستبدادي الذي يسخر ثروات المستعمرات في خدمة طموح وأنانية المستعمر وينخر النسيج الاجتماعي و الاقتصادي والثقافي للبلدان المنكوبة. لم تتوقف صفاقة الاستعمار الأوربي إلى حد النهب والاستغلال، بل امتدت إلى إشعال فتيل الحروب وتدبير النزاعات بين السكان الأصليين أنفسهم معتمدا في ذلك على نعرات القبيلة والاجناس والدين
كيف للأفارقة أن ينعموا بالعيش الكريم والكرامة في ظل واقع يطبعه اليأس وفقدان الثقة في النفس وفي الحكام واندثار الإحساس بالانتماء إلى الوطن والحسرة على ما قدموه من تضحيات؟ كيف لنهضة أن ترى النور في كنف أرواح أنهكها اليأس والانكسار وسُلبت حق الحلم والتطلع وأجبرتها طواغيت الحكم والوصوليين على نسيان الذات والانسلاخ عن أصالتها وخصوصيتها؟
الهجرة تحيل على الرفض، السخط، البحث عن الأمل، التطلع إلى إثبات الذات و الاستقرار وحقيقة القيم الإنسانية، غير أن الغريب في الأمر هو استعطاف اللجوء عند الجلاد الأكبر بعد استحالة تحمل جبروت الجلاد الأصغر
لازالت أوروبا تتبنى أدبيات حوار أحادي الجانب يسوده التكبر والغطرسة وفرض الوصاية وإعطاء التعليمات مكرسة لواقع التمييز بين دول المركز ودول الهامش رغم حاجتها للعقول والسواعد الأجنبية باعتبار معطى الخصاص الديمغرافي الذي يهدد استمرار الكيان الأوروبي
أوروبا التي تتبنى منطق بعد النظر في تشكيل مستقبلها تبدي قصر النظر في معالجة إشكالية تدفق المهاجرين باتباع مقاربة أمنية تركز على احتواء أعداد الوافدين وإنشاء مراكز إيواء على سواحل بلدان شمال إفريقيا
هل يمكن الحديث عن مواجهة بين أوروبا ونتاجات سياساتها؟ وهل نحن أمام واقع حركة هجرة أم تهجير؟

تم نشر المقالة على صحيفة رأي اليوم بتاريخ 20 يونيو 2018 عن ظاهرة تدفق المهاجرين الأفارقة على الحدود الأوربية

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *