LOSE / KEEP YOUR HEAD
July 31, 2018
ON THE ROAD TO EXTINCTION
August 4, 2018

عن التباين بين أدبيات الحوار عند العرب وعند الغرب  

ليس ثمة شك في أن أدبيات الحوار في العالم العربي تختلف ،إلى درجة التباين، عن مثيلاتها في العالم الغربي، إذ تتميز ثقافة الحوار عند العرب بالتشنج والحدة والانغلاق، بينما تميل ثقافة الحوار عند الغرب إلى الهدوء والإنصات ومحاولة الانفتاح على الآخر. أكيد أن هذا الاختلاف يكتنف دلالات عميقة حول تباين الثقافتين في التكوين والبنية والتمظ

تنبعث أدبيات الحوار من فكر معين يتأثر بحمولة ثقافية واجتماعية ذات خصوصية تميزه عن الآخر باختلاف المعطيات الجغرافية، النفسية، الثقافية، الاجتماعية والاقتصادية.. لذلك فمسألة التنوع والتعدد مسألة عادية وحقيقة بيولوجية تفرض نفسها، غير أن هناك سؤالا يطرح نفسه لدى المواطن العربي: لماذا يتميز الحوار الغربي بالنجاعة والعقلانية وضبط النفس بينما تغيب هذه المعايير عن الحوار داخل البيئة العربية؟

بادئ ذي بدء يبدو أن ماهية الحوار لدينا تختلف عن نظيرتها عند الغرب و يبتعدان عن بعضهما بعد المشرق عن المغرب، إذ يمثل الحوار عندنا نزالا يجب إنهاؤه بإعلان المنتصر والمنهزم ويغيب عنه إبداء الاستعداد لفهم الآخر واستيعاب أفكاره، لذلك فالهدف من الحوار أصلا ليس الوصول إلى المعرفة و تبادل وجهات النظر بقدر ما هو الحفاظ على الهيبة الشخصية وصون الكرامة وعدم إبداء التنازل والتسامح أمام المحاور الآخر. لذلك ليس من الغريب تداول عبارات عنيفة من قبيل: أخرسته، أفحمته ، ألجمته … التحاور تحركه إذن نوايا وخلفيات الإقصاء والإلغاء ورفض الاختلاف رغم أن التعريف بالذات والتعرف عليها لا يتم إلا باستحضار الآخر

من البين أن النفسية العربية تتميز بالتشنج والانفعال وعدم القدرة على ضبط النفس جراء عوامل متعددة ومتداخلة. من الأكيد أن الجغرافيا تؤثر بعمق في نفسية وشخصية الإنسان لوجود ذاك التفاعل المتبادل بين الطرفين. العربي عموما هو نتاج بيئة جافة وحارة تتميز بالتعصب وحدة الحس العائلي والقبلي وكذا فوران الدم مما يحول دون السيطرة على غرائز الأنانية والاعتداد بالنفس وطموح السيطرة. تاريخيا انتظم العرب في إطار قبائل متنازعة ومتصارعة، مما رسخ حس الترقب والتوجس والحذر من الآخر لضمان البقاء والاستمرار. كما أن توالي الانكسارات أدى إلى فقدان الثقة في النفس ودوام الإحساس بالخوف وعدم الاطمئنان إلى الآخر

من منظور اجتماعي، يسيطر النموذج القبلي على بنية الأسرة وكيفية اشتغالها بطغيان سلطة الأب في مجتمع ذكوري لا يرحم، إذ يمثل الأب المورد الاقتصادي للعائلة وسلطة الردع داخلها والقائم على أمنها الروحي والثقافي

التسليم بالرأي الآخر أو الاقتناع به يبدو كضرب من المس بمقام الشخص وكرامته الذي يشتط غضبا ويثور انفعالا واضعا حدا للحوار غير مكترث بمدخلاته اومخرجاته على حد سواء نتيجة لخلل في مبدأ الهوية لديه (الحضور والغياب) ومبدأ الترابط والجوار مع الآخر الغريب عنه

من جهة أخرى وعلى المستوى الرسمي، تتميز التربية النظامية بغياب وتغييب العقل الأخلاقي الواقعي العقلاني عن نظم التربية المتبعة،حيث لا يزال المواطن العربي تحت تأثير الأفكار الفطرية التي تشبع بها داخل الأسرة المنحدرة بدورها من محيط قبلي معين لا يختلف جوهريا عن غيره ولم يتمكن من تغليب سلطة العقل على سلطة العاطفة والأساطير التي تشكل انساق طريقة تفكيره. لا غرابة أن ينصاع المواطن البسيط لنظام سياسي مبني على الوصاية والطاعة والخضوع ولا يؤمن بالاختلاف كما هو بين في تصفية المعارضة أو كل مصادر الرأي الآخر

من المفارقات أن يشترك حاليا النوعين من أدبيات الحوار في شيوع مظاهر الشعبوية والسفسطة نتيجة تجذر مسار الرداءة وتراجع مستويات الإنتاج والإبداع الثقافيين في ذروة تقدم التكنولوجيا والذكاء الصناعي. فهل السبب يعود إلى وجود قواسم مشتركة بين النمطين؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *