المهدي المنجرة دائما في الذاكرة

كلما تحدثنا في المغرب عن دراسة المستقبليات إلا و تبادر إلى ذهننا إسم واحد. كلما ذكرنا مصطلح القيم إلا و تذكرنا شخصا بعينه. كلما ناقشنا نظرية صراع الحضارات إلا و استحضرنا الشخص السباق إلى طرحها. كلما تساءلنا عن إمكانية تزاوج الفكر مع الأخلاق الرفيعة إلا وأسرعنا بترديد اسم ذاك الإنسان الشامخ المهدي المنجرة
سنتين مرت عن رحيل روحه إلى الرفيق الأعلى، غير أنها لم تنل شيئا من اسمه إذ لم تزده إلا لمعانا و إشعاعا. فأفكاره لا زالت تناقش و تشكل جوهر مشاريع فكرية في الوقت الراهن
المهدي المنجرة هو بمثابة ملتقى عوالم، إذ من الصعب حصر الرجل في مجال بعينه، بل هو محيط من المعرفة يصعب سبر أغواره. فمن الاقتصاد إلى السياسة، من الدين إلى علم الاجتماع، من الفكر إلى اللسانيات، من الإعلام إلى الفنون وهلم جر. بمجرد قراءتك لأحد مقالاته تجد نفسك منتقلا من حقل معرفي إلى آخر بتركيز وُرويَّة
شخصيا تعرفت على هذا العالم المتميز عند قراءة كتاب « الحرب الحضارية الأولى » والذي شكل بالنسبة إلي منعطفا في استيعاب ما يحدث على الساحة الدولية. لمست عمق الفكر، النزاهة و العفوية منذ الوهلة الأولى، لم أحس بأي نوع من النفاق و المراوغة.فكر صريح و شفاف ينبعث من قلب يلتهب غيرة على البلد و الانتماء إلى الهوية الاسلامية
بعد ذلك واظبت على قراءة جميع كتبه و مقالاته سواء بالعربية، الفرنسية، أو الإنجليزية. استمتعت كثيرا بقراءة كتب من قبيل ، حوار التواصل، الاستقلال الثقافي، القدس العربي، انتفاضات في زمن الذلقراطية، عولمة العولمة، قيمة القيم و القائمة طويلة فوجدت فكرا منفتحا ، محافظا ، متجددا، غنيا بحمولته. تتلاقى من خلاله العلوم و تتشعب لتنتج نسقا علميا بسيطا، عميقا ومنفردا
الكل يقرأ للمهدي المنجرة من الصغير إلى الكبير، الغني و الفقير، المثقف و الإنسان العادي وضع الفكر والثقافة بين يدي العامة، يخاطب الجميع دون استثناء، مارس الديمقراطية في خطاباته ولم يهمش أيا كان. خطاب برغم مرارته أحيانا، يبقى ممتلئا بالحب و الود اللا مشروط
المهدي المنجرة يبقى ذاكرة للماضي عايشت الحاضر واستبقت المستقبل. من خلاله درسنا التاريخ
و استعبنا حاضرنا و عرفنا معنى المستقبل ورهاناته. تناول معظم القضايا الشائكة ،تحدث عن محورية القيم في قضية التنمية، الاستيلاب الثقافي و أهمية اللغة الأم ، سبل تنمية دول العالم الثالث و محور الممانعة، غزو العراق و أسبابه الخفية، الصراع العربي الإسرائيلي، الإعلام وعصر المعلومات، العولمة، الارتزاق الثقافي…
من المهدي المنجرة تعلمنا احترام العلماء و المفكرين و أدبيات الحوار البناء. كان يعترف بشموخ بعض العلماء و المفكرين و يعتز بمغربيته عند ذكر رجالات المغرب من قبيل محمد بن عبد الكريم الخطابي … رغم كبر مقامه كان يبدي تواضعا نحو الآخر و يعترف بالجميل للجميع مبتدئا بأفضال والده
كتبت هذا المقال المتواضع في حق رجل من رجالات هذا البلد بمناسبة ذكرى وفاته ليس تكريما أو إحياء له بل ترسيخا و تثبيتا لقيمته التي لا تخفى على أحد
إلى روح المغفور له بإذن الله المهدي المنجرة