واقع العبث وخلفياته
January 13, 2017
Used to
February 28, 2017

الشعبوية كأداة شيطانية للإجهاز على ارادة الشعوب

كلنا نستغرب لصعود خطاب الشعبوية وشيوعه في جميع الروافد الحيوية وبدون استثناء من سياسة واقتصاد وثقافة. فهل الشعبوية نوع من ردود الفعل، أو فعل من تدبير فاعل، أو مرحلة متقدمة من مسلسل الانحطاط الذي نعيشه؟

تعرف الشعبوية كايديولوجية تعمل على دغدغة عواطف الجماهير باستعارة خطاب ديماغوجي جماهيري لكسب تعاطفها ودعمها. فالجماهير عادة تحب سماع ما يتماشى مع أمانيها وأهوائها وتنفر كل ما يقلق خوالجها. الخطاب الشعبوي يحارب العقلانية والموضوعية و يرتزق من استغلال جهل الناس لخفايا الأمور ولا يبدع في تقديم أية بدائل أو خطط تعبر عن قناعات وأنساق أفكار معينة

الشعبوية نزعة في التفكير السياسي تنحو إلى تقديس الشعب واعتباره مصدر و نبراس كل الحكم والحقائق ويجب أن ينزه عن كل أنواع الوصاية – خصوصا من طرف الفئة المثقفة – باعتبار التجارب والأحداث التي راكمها واستفاد منها، فهو إذن العارف بمكمن الداء والقادر على كشف الغمة. تقف الشعبوية إذن كاتجاه مناقض ومضاد للنخبوية و تتمرد وترفض كل أنواع التنظيم والتقنين التي تطبق على الشعب وتمس بحريته

هذا النوع من الخطاب يسود ويتوغل مع توغل واقع الرداءة والانحطاط الذي نعيشه وطغيان الليبرالية المتوحشة وتمردها على جميع الأدبيات. فكل ما هو اقتصادي يسود كل ما هو اجتماعي أو ثقافي أو أخلاقي وتلغى بذلك جميع الضوابط والثوابت. إذ مع تهميش أدبيات ومكارم الأخلاق والمعاملات والقيم تطفو إلى السطح الفوضى الخلاقة، السيريالية، الارتزاق، العبث، الغزو(الثقافي والاقتصادي) والتنميط

كما يبدو فالخطاب الشعبوي يقتات من يأس الناس واستسلامهم للملل بعد خيبات جل السياسات السابقة وخطاباتها الأيديولوجية المختلفة. فالمواطن العادي يريد حلول مستعجلة ونتائج ملموسة تنعكس على حياته اليومية ولا يكترث للإكراهات الخارجية والإصلاحات البنيوية أكانت إقتصادية أو إجتماعية فما بالك بالسياسة الثقافية. من هنا تسهل عملية الاحتيال والنصب على المواطنين من خلال الخطاب الشعبوي، ما دام أن المواطن لا يؤمن بجدوى تداول السلطة ما دامت اللعبة السياسية القائمة هي نفسها ويجنح إلى السلبية في غالب الأحيان. من جهة أخرى يوصف بالخائن والعميل أو حتى السفيه كل من يصارح الناس بالواقع المرير والحقائق الخفية

الشعبوية تطغى على الخطاب السياسي إذ تستغل في استمالة السواد الأعظم من الناس لتحقيق أغراض معينة تخدم أجندة أطراف داخلية وخارجية على حد سواء. بموازاة مع ذلك تستعمل الشعبوية في الخطاب الديني الموجه لغالبية الناس للسيطرة على إدراكها واستيعابها لحقائق الأمو، فيعم بذلك التضليل والتجهيل وتستأثر شرذمة خفية بقيادة الجميع. تسخر موارد هامة وقنوات فضائية كأدوات لتحقيق المبتغى، إذ أن الخطاب الديني المتبع يكرس للفهم الميت للدين ويلغي إعمال العقل ويكرس للأساطير والخرافات بمخاطبة العاطفة دون العقل

الشعبوية تنخر النسيج الثقافي بصعود وتقديم جيش من أنصاف المثقفين كخطة لمحاربة الفكر الرصين الجاد مصدر كل وعي ويقظة . فيتم بذلك قتل عقل وضمير المجتمع بتهميش المثقف الحقيقي ومحاربته

الخطاب الشعبوي يستغل لقتل حق الاختلاف والنقد والتأسيس للفكر الواحد فكر الاستبداد والإقصاء والقمع. ويبقى دائما الشعب المغلوب على أمره هو الضحية لنخبة من الاوغاد التي تتكلم وتتصرف باسمه

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *