العرب والحب المستتر
April 21, 2023
المرأة… الفاعل المؤثر والمغيّب
April 21, 2023

يبتسمون رغم الشقاء

في خضم ظروف اقتصادية صعبة حيث يكابد الناس مطبّات التدبير العقيم، وتداعيات ما بعد كورونا من تضخم وغلاء الأسعار وانحسار القدرة الشرائية وتوغل شبح الفقر وغياب تام
.لمن يتواصل معهم أو يستمع لمعاناتهم وفقدان الأمل في قدرة الحكامة القائمة على إيجاد الحلول والبدائل؛ يسود اليأس وتنهار الحالة الذهنية والنفسية للناس وتنعدم الرؤية

تغادر المنزل في الصباح الباكر متوجهاً إلى العمل، فتصادف وجوهاً يعتريها التعب والتجهم، تبدي بجلاء ما تبطنه النفوس من معاناة ومكابدة، وترسل من اليأس والتذمر والسخط ما يجعلك تفكر في العودة إلى المنزل وعدم مغادرته. يتساءل المرء: كيف لهذه العينة من الناس أن تقبل على العمل وتنغمس في العطاء وتنتج إذا استشرفت يومها على هذا الحال؟ كيف
.للتنمية أن تنبعث وترى النور من دواخل هؤلاء؟ وبكل تأكيد، اللوم وكلّ اللوم يقع على من تسبّب في صناعة مآسيها وتركها تتخبط في ضنك العيش

في ظل هذا الجو المكفهر تشرق شمس ساطعة من محيا وجه تسكنه الابتسامة، فتنسيك هول ما رأيت وتدعوك إلى الانخراط في الأمل ومشاركة التفاؤل والإقبال على الحياة. هي شمس
.لا تسطع أساسا من نفوس سعيدة تعيش رغد الحياة، بل تنبعث من سراج من اختار التحدّي والاستهزاء بقساوة العيش وبعبث من لا يحسن التدبير

.ربما يظن البعض منّا أنّ الابتسامة حركة بسيطة سريعة ترسم على الوجوه بسهولة وتلقائية. نراها غير ذلك، ونعتقد أنها تكتنف من المعاني والأبعاد والجهد ما يستحق التأمل والاعتبار
حقيقة، تجسّد الابتسامة تجليّا بيّناً لعملية الانخراط في المقاومة والصمود عكس ما يعتقد البعض. إذ ما يفيد التقيّد بالوجه الحالك المكفهر، وما يقدم ذاك الخيار من حلول؟ على العكس من ذلك، بالميل نحو الابتسامة نقبل على المواجهة بكل بسالة وعقلانية عن دنايا وضعٍ، خلقه الفشل والأنانية والانسياق نحو الغرائز ونزوات من يمتلك التدبير وافتقاد التبصّر وبعد النظر. لا مناص إذن من الانخراط في رفع التحدي والمواجهة والصمود، لكن بالشروع في الاشتغال على الذات والاسترسال في معالجة الحالة النفسية والذهنية واستدامة التحلّي بقوة الإيجابية وحسن الظن بالآخرين. بعبارة أخرى، في فن الابتسامة تعبير صادق عن حب الآخرين من خلال بعث الأمل في النفوس والمساهمة في بناء بيئة إيجابية صحية تدعو إلى
.العطاء والحركة والإقبال على المحاولة وعدم الاستسلام بكلّ ثقة في النفس وواقعية وترفع عن العوائق الذاتية

تنبعث الابتسامة من رحم مجهود جبار يخفي حقيقة الباطن ويبدي ما تحبّ النفوس أن تراه حيث يصارع المبتسم نرجسيته وأنانيته ومعاناته الشخصية، ويكبح جماحها في دواخله، ولا
.يدع لها مجالاً للتسرّب نحو الخارج والنيل من نفسية الآخر وإفساد مزاجه

فضلاً عن التحديات والمشاكل الخارجية، تحظى كلّ ذات بعدد لا متناهٍ من الصراعات الداخلية الذاتية من قبيل: الشعور واللاشعور، الخير والشر، العقل والعاطفة، الروح والمادة، نداء الحكمة وإغراء النزوات.. هي صراعات داخلية، ويجب أن تظل كذلك غير قادرة على التسرّب والانعكاس في لغة الجسد. غير أنه بطبيعة الحال، لا يستطيع التفوّق في ضبط النفس وعدم الانجرار وراء أوجاعها إلا من تملّك قوة الشخصية وشدّة الشكيمة وثبات العزيمة وحب العطاء. كلها عناصر ومخرجات تكتسب بجبر الخاطر ومجاهدة النفس والعمل على مجابهة
.نواقصها وترويضها على التحفيز الذاتي المستمر

.قد تسلب مني الحقوق المادية والمعنوية، لكن لن يُسلب مني حق الابتسامة ما دام خياراً وقناعة وسلاحاً وتطلعاً نحو المستقبل

تم نشر المقالة على العربي الجديد يوم 22 فبراير 2023 أنقر

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *