الرواية العربية وطموح ولوج العالمية المؤجل
May 22, 2023
“وقفة تدبر مع قوله تعالى “فصبر جميل
June 10, 2023

حقيقة اتفاق بكين في تنزيل مضامينه

استبشر الجميع خيراً بخبر إتمام اتفاق بكين السعودي الإيراني والتوصل إلى التفاهم على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد قطعها من طرف المملكة سنة 2016، عقب
.الاعتداء على سفارة وقنصلية المملكة في إيران، والدعوة إلى إعادة افتتاح السفارتين خلال شهرين على الأكثر

حقيقة، يصعب وضع قراءة تحليلية للاتفاق وتوقّع نوعية مخرجاته، خصوصاً مع غياب تفاصيل محورية عن مدخلاته. ثمّة أسئلة تفرض نفسها بشدّة، وتدعو إلى التريث والحذر
.والتحفظ في إبداء التفاؤل. لا مناص من التذكير ببعض عناصر الظرفية العامة، ولو بإيجاز، من أجل محاولة وضع الاتفاق في إطاره المنطقي

مع استمرار تكاليف الحرب في اليمن وتبعات المواجهة مع إيران على جبهات متعدّدة، تعاني المملكة الإنهاك وتزايد الضغوط في وقت تطمح فيه إلى تقوية منظومة أمنها القومي الداخلي والإقليمي وتحقيق نوع من الاستقلالية عن الولايات المتحدة الأميركية والانكباب أكثر على تحقيق رؤية 2023 وتنويع موارد الاقتصاد وجذب الاستثمارات الخارجية المباشرة وترميم البيت الداخلي واحتواء أزماته. على الجانب الآخر، تعاني الجمهورية الإيرانية من عزلة سياسية واقتصادية ونفسية، ومن آثار العقوبات الاقتصادية الدولية، ومن تعمّق الأزمات الداخلية المتفاقمة، وتسعى لإكمال مسار تخصيب اليورانيوم الذي وصل حتى الآن إلى نسبة 83.7% والقريب جداً من 90%، النسبة الهدف. كذلك يتزامن توقيت إعلان الاتفاق مع
.بداية الولاية الثالثة للرئيس الصيني، ويفنّد مزاعم الصين بالاكتفاء ببناء علاقات اقتصادية في الشرق الأوسط عوض البحث عن الاستئثار بدور سياسي جهوي

يبدو إذاً أنّ الطرفين، بمعية دول أخرى حليفة، في حاجة ماسة إلى الاتفاق من أجل حلّ مجموعة من المشاكل الداخلية والملفات الخارجية، غير أنّ الاتفاق من دون إرادة حقيقية
.وانفتاحه على طموحات الشعبين وتنزيل عملي لعناصره يبقى طوباوياً، أو ربما مراوغة لتمرير أمر دُبّر بليل

فهل نحن حقاً بصدد الحديث عن حدث من العيار الثقيل؟

كلنا نعلم أنّ التوصل إلى الاتفاق حصل بعد أربعة أيام من المفاوضات في بكين، لكن من المؤكد أنّ هذا الطرح اختزالي، وربما يفتقد الموضوعية، إذ إنه في الغالب صنيعة سلسلة من المفاوضات بين البلدين، التي جرت تحت رعاية العراق وسلطنة عمان، ويمكن استيعابه ضمن سلسلة التقلبات الجيوستراتيجية التي أفرزت البوادر، باعتبار الضغوط والتحديات الداخلية والخارجية للبلدين. نميل إذاً إلى الطرح الذي يصنّف الاتفاق كحدث من بين أحداث أخرى في خضمّ حركية المشهد الدولي الذي لم تتحدّد ملامح حقيقته بعد، ولا يمثل بداية لعهد
.جديد أو نهاية لعهد آخر

هل سيحقّق الاتفاق فعلاً ما يُرجى منه؟

بعبارة أخرى، هل يمثل الاتفاق إنهاءً لاحتمال المواجهة بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإيرانية ويعبّد الطريق لانفراج مجموعة من الملفات على المستوى الاقليمي (اليمن، سورية، لبنان…)، أم أنه فقط تأجيل لها؟

لا ضير من التأكيد أنّ الخلافات لا تحل فقط بمجرّد إنجاز الاتفاق، إذ إنّ إبرام الاتفاق في حدّ ذاته ليس بإنجاز، بل التحدي هو تنزيل مضامينه وتفعيلها بعد توافر النية الحقيقية والثقة المتبادلة والاستقلالية في اتخاذ القرار والعقلانية واكتساب العمق المطلوب من أجل التحقق. في الواقع، تتباعد وتتناقض الرؤى بين البلدين وتتصادم المصالح والطموحات. نعلم جيداً أنّ هناك عدّة تناقضات تفرض نفسها وتقيم العوائق أمام عملية التنزيل، نقدمها من خلال الأسئلة الآتية: هل تتنازل إيران عن طموحاتها الجيوستراتيجية التوسعية في المنطقة؟ هل ستنسحب من العواصم العربية الأربع المحتلة بالوكالة؟ كيف سيُحتوى تصادم التيارين السني والشيعي؟ ماذا عن تدبير تصادم الطموحات الاقتصادية المتزايدة للقوتين الإقليميتين؟

على المستوى الخارجي، هناك قوى دولية تمتلك مفاتيح مجريات الأمور وتزيد من تعقيد الحسابات الجيوستراتيجية في المنطقة تبعاً لإملاءات مقاربات الأمن القومي والأمن الجهوي
.والأمن الطاقي

من جهة أخرى، من النافل القول بأنّ الصين هي من أكبر المستفيدين، باعتبارها أكبر مستورد للنفط الخام من البلدين، وإبرام الاتفاق يخدم أمنها الطاقي ونشاطها التجاري. لكن هل تمتلك الصين المشروع السياسي الجهوي للمنطقة من أجل ضمان تفعيل بنوده؟ ربما لم تقم جمهورية الصين الشعبية إلا بقطف ثمار مجهودات العراق وسلطنة عمان في التأسيس للاتفاق، والدفع به من خلال رعاية جولات المفاوضات بين الطرفين السعودي والإيراني. من هنا، نطرح السؤال المحوري: هل بإمكان الصين إقناع إيران بالتخلّي عن أهدافها الاستراتيجية، وأهمها السيطرة على المنطقة كهدف مفصلي في الرؤية المستقبلية للدولة الفارسية؟

أما عن الولايات المتحدة الأميركية، فيظل الموقف الأميركي غامضاً يحتمل عدّة تأويلات. هل هو حقاً تراجع للدور الأميركي مقابل صعود القوة الصينية؟ أم نحن أمام خيار استراتيجي لدى الإدارة الأميركية؟

منذ أكثر من عقد من الزمن ارتأت الولايات المتحدة الأميركية اتخاذ خيار ترتيب البيت الداخلي والتعاطي أكثر مع الاقتصاد ومعضلة العنف والعنصرية والأزمة الديمقراطية في البلد، مع الوعي التام بصعود الصين، وربما تحوّلها إلى أقوى اقتصاد في العالم. في قلب هذه المقاربة سُحبَت القوات العسكرية من العراق ثم بعد ذلك من أفغانستان، وأُعيد بناء خريطة التموقع في الشرق الأوسط. وعملت الإدارة الأميركية في عهد ترامب على إعادة الرساميل والشركات الأميركية إلى البلد، ومنحها حزمة من التحفيزات. هل الأمر خيار أم تكتيك إجباري من أجل التموقع في عالم جديد يتجه نحو تعددية الأقطاب؟

من ناحية أخرى، ظلت الولايات المتحدة الأميركية متابعة لتطورات المفاوضات بتفاصيلها، ورحبت بالاتفاق ما دام يخدم مصالحها، وما زالت الوصية على أمن المنطقة، وعلى أمن
.المملكة بوجود قواعدها العسكرية هناك. نظن إذاً أنّ الحديث عن الصين كبديل للولايات المتحدة الأميركية سابق لأوانه

تم نشر المقالة على العربي الجديد 23 مارس 2023 أنقر

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *