مع طقوس الكتابة تتدفق وتتجدد الطموحات والتصورات وتبنى الرؤى في رحاب آفاق التميز و الاغتناء إذ يرتقي الإدراك الفردي ويتماسك نسيج الوعي الجماعي و تتأسس منظومة
.الأمن القومي على أسس عقلانية و متينة
تحيل عملية الانكباب على تجربة الكتابة على مبادرة تتسم بالشجاعة وتلتمس الاستقلالية والممانعة والارتقاء بالذات. كيف ذلك؟
تتغذى الكتابة من خزان الطاقة الداخلية للذات وتقوم بإجراء حفريات في دواخلها من أجل الإبداع والإنتاج ومعالجة النفس. فهي تنتقي أوقات العزلة والاعتكاف والتدبر وتحاول إيجاد
.الحلول والبدائل انطلاقا من ووصولا إلى الذات وتترفع عن التبعية و التواكل و القابلية للاختراق و المحاصرة والتطويق والاستلاب
من النافل القول أن كل فرد مطالب بالإقبال على تجربة الكتابة ليس أساسا بهدف النشر بل بغرض مصارحة الذات ومساءلتها وتمكينها من تفريغ أوجاعها و التحدث بكل ثقة وتلقائية ما دام المتكلم والمستمع هو الشخص نفسه. حقيقة، مجرد الإقدام على الكتابة في الأوقات الحالكة هو شجاعة مواجهة الذات والانكباب على إجراء حفريات في دواخلها الخفية ومحاورة نواقصها والتواصل معها بكل ثقة وعفوية من أجل تحقيق التصالح معها ومواجهة تحديات العالم الخارجي. تتعدد الصراعات داخل ذواتنا وتتعقد كلما اقتربنا من هويتها، فهناك الوعي
.واللاوعي، الجانب المظلم والجانب المضيء، الوهم والحقيقة، الخير والشر و سلسلة لامتناهية من صراع الثنائيات المتناقضة
لذلك ترمي الكتابة إلى التخفيف من وقع الأفكار الهدامة والتعامل معها بكل موضوعية وتفريغ سموم الطاقة السلبية. تصنف التجربة إذن كممارسة من أجل التداوي ومخاطبة
.الاضطرابات النفسية من أجل خلق توازن نفسي وذهني دائم. انه السمو بامتياز في تدبير الاضطرابات النفسية والسيكولوجية
عندما نكتب شيئا ونقدمه للاخرين، حتما نتوقع تفاعلا وربما صدى لما قدمناه من أفكار تنضج بالنقد والمناقشة والمناظرة مادامت مسلمات الموضوعية والترفع والاحترام حاضرة في
.غياب الشخصنة والأحكام المسبقة والتأويلات الجاهزة
.تتم مخاطبة الآخرين ودعوتهم إلى التحاور بأرقى الوسائل وتقود إغناء الحوار، بناء وتراكم المعرفة ، ضمان حق اختلاف الرأي، و تنشيط فضائل القيم والمعاملات
عندما تنتقل تجربة الكتابة من المستوى الفردي إلى المستوى الجماعي وتتراكم الممارسة وتتعمق في العمق الاجتماعي وتصير ثقافة يرقى الوعي الجماعي و تكبح غرائز العدوانية
.و الفردانية والأنانية والجشع وينتقل المجتمع إلى واقع السلم المؤسساتي التشاركي ويرتقي الى مجتمع معرفة حيث يعلو العلم ويسود
.تبقى الكتابة صديقا أبديا وفيا معطاء لا يفتر عطاؤه ولا يتموج مزاجه ولا يستجيب لمغريات الدناءة والتفاهة ولو ضعف
تم نشر المقالة على رأي اليوم يوم 15 يونيو 2021 أنقر