في رحاب رواية شرق المتوسط لعبد الرحمان منيف
July 4, 2022
تصورات حول مكنون كلمة “اقرأ”
October 22, 2022

التداوي بالكتابة

من النافل القول أن طقوس الكتابة ليست حكرا على النخبة المثقفة أو اختصاصا لدى فئة معينة وإنما تتسع لتشمل وتضم الجميع بغض النظر عن وضعهم الاجتماعي أو مستواهم الثقافي أو مركزهم الاعتباري. تكتنف تجربة الكتابة من الحسنات ما تبطن أكثر مما تبدي اذ يكفي التذكير بأنها تتعاطى مع المعطى البشري المعقد الفهم والتفكيك و تحيل على عوالم متعددة كعلم النفس والاقتصاد والسياسة والاجتماع واللائحة تطول وتمتد وتصل إلى المجهول الغير متوقع. لكن، هل حقا نعي عمق وقع طقوس الكتابة على السلوك البشري وما تحمله من حمولة ايجابية قد تغير مسار حيوات في أية لحظة؟
عندما ترتقي الكتابة إلى طقوس يومية وتغدو من ثوابت نمط العيش اليومي، يرتقي الذوق ويلتمس العمق ويعرض عن التافه من الأمور والاشخاص وتبدع الحلول والبدائل وتدب
.الحركية في النشاط البشري وتعم الإيجابية والإنتاج والجودة في العطاء والإبداع

مع طقوس الكتابة تتدفق وتتجدد الطموحات والتصورات وتبنى الرؤى في رحاب آفاق التميز و الاغتناء إذ يرتقي الإدراك الفردي ويتماسك نسيج الوعي الجماعي و تتأسس منظومة
.الأمن القومي على أسس عقلانية و متينة

بناء شخصية قوية وفاعلة

تحيل عملية الانكباب على تجربة الكتابة على مبادرة تتسم بالشجاعة وتلتمس الاستقلالية والممانعة والارتقاء بالذات. كيف ذلك؟
تتغذى الكتابة من خزان الطاقة الداخلية للذات وتقوم بإجراء حفريات في دواخلها من أجل الإبداع والإنتاج ومعالجة النفس. فهي تنتقي أوقات العزلة والاعتكاف والتدبر وتحاول إيجاد
.الحلول والبدائل انطلاقا من ووصولا إلى الذات وتترفع عن التبعية و التواكل و القابلية للاختراق و المحاصرة والتطويق والاستلاب

صحة نفسية وذهنية

من النافل القول أن كل فرد مطالب بالإقبال على تجربة الكتابة ليس أساسا بهدف النشر بل بغرض مصارحة الذات ومساءلتها وتمكينها من تفريغ أوجاعها و التحدث بكل ثقة وتلقائية ما دام المتكلم والمستمع هو الشخص نفسه. حقيقة، مجرد الإقدام على الكتابة في الأوقات الحالكة هو شجاعة مواجهة الذات والانكباب على إجراء حفريات في دواخلها الخفية ومحاورة نواقصها والتواصل معها بكل ثقة وعفوية من أجل تحقيق التصالح معها ومواجهة تحديات العالم الخارجي. تتعدد الصراعات داخل ذواتنا وتتعقد كلما اقتربنا من هويتها، فهناك الوعي
.واللاوعي، الجانب المظلم والجانب المضيء، الوهم والحقيقة، الخير والشر و سلسلة لامتناهية من صراع الثنائيات المتناقضة
لذلك ترمي الكتابة إلى التخفيف من وقع الأفكار الهدامة والتعامل معها بكل موضوعية وتفريغ سموم الطاقة السلبية. تصنف التجربة إذن كممارسة من أجل التداوي ومخاطبة
.الاضطرابات النفسية من أجل خلق توازن نفسي وذهني دائم. انه السمو بامتياز في تدبير الاضطرابات النفسية والسيكولوجية

التأسيس لثوابت حوار بناء

عندما نكتب شيئا ونقدمه للاخرين، حتما نتوقع تفاعلا وربما صدى لما قدمناه من أفكار تنضج بالنقد والمناقشة والمناظرة مادامت مسلمات الموضوعية والترفع والاحترام حاضرة في
.غياب الشخصنة والأحكام المسبقة والتأويلات الجاهزة
.تتم مخاطبة الآخرين ودعوتهم إلى التحاور بأرقى الوسائل وتقود إغناء الحوار، بناء وتراكم المعرفة ، ضمان حق اختلاف الرأي، و تنشيط فضائل القيم والمعاملات

الرقي بالوعي الجماعي

عندما تنتقل تجربة الكتابة من المستوى الفردي إلى المستوى الجماعي وتتراكم الممارسة وتتعمق في العمق الاجتماعي وتصير ثقافة يرقى الوعي الجماعي و تكبح غرائز العدوانية
.و الفردانية والأنانية والجشع وينتقل المجتمع إلى واقع السلم المؤسساتي التشاركي ويرتقي الى مجتمع معرفة حيث يعلو العلم ويسود
.تبقى الكتابة صديقا أبديا وفيا معطاء لا يفتر عطاؤه ولا يتموج مزاجه ولا يستجيب لمغريات الدناءة والتفاهة ولو ضعف

تم نشر المقالة على رأي اليوم يوم 15 يونيو 2021 أنقر

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *