المغرب والجزائر وضرورة استحضار الحكمة والعقلانية
February 9, 2022
إلى من يهمه أمر مستقبل العلاقات بين المغرب والجزائر
March 21, 2022

الدول العربية وشبح الديون الخارجية

يشكل الدين الخارجي الأرق المزمن لصناع القرار في المنطقة العربية باعتبار قوة وعمق أثره على المقاربة الحكاماتية المتبعة والمطامح التنموية والواقع المعيشي للناس. نعي جيدا مدى هشاشة وضعف اقتصادات الدول العربية بسبب عوامل بنيوية متداخلة تتضح تجلياتها جيدا في غياب تنوع الأنشطة الاقتصادية والاعتماد على مورد وحيد وسطوة الاحتكار و
.منطق الغنيمة على الممارسة الاقتصادية

في ظل استمرار العجز السنوي وتعطل آليات الإنتاج و ضآلة المداخيل مقارنة مع المصاريف يجد صانع القرار الحل الذلول والمتاح أمامه في استجداء سخاء القرض الأجنبي مهما كلفه ذلك من ثمن.، إذ يميل إلى اختيار استمرار الداء المزمن رغم علمه المسبق بالدواء معرضا بذلك عن الخوض في الاجتهاد في إبداع حلول تحرر مستقبل الأجيال القادمة من معرة
.التطويق والتبعية ويعيش الحاضر يوما بيوم كمن يبحث عما يسد رمق قومه بكل ارتجالية ودون تخطيط أو تبصر

تتميز معظم اقتصادات الدول العربية بالهشاشة والارتهان إلى عائدات المواد الأولية، الضرائب، تحويلات الجالية العربية في الخارج والسياحة و تفتقد للاستقلالية وامتلاك حرية القرار و تتأثر أحوالها بتقلبات السوق العالمية و التوترات الجيوستراتيجية ، هذه المعطيات بدون شك لا تبشر بأفق الخروج من سلسلة مراكمة الديون الخارجية، بل تنذر بما هو أسوأ وأخطر
.ألا وهو العجز عن الاستمرار في أداء خدمة الدين وإعلان الإفلاس

،عموما، يتم التماس الدين الخارجي من أجل تمويل العجز الناتج عن تجاوز حجم المصاريف لحجم المداخيل، الاستثمار في البنية التحتية، تمويل عملية التعافي من أثار كارثة طبيعية
.وأداء خدمة ديون سابقة. في معظم البلدان العربية اجتمعت الأسباب برمتها واستنفدت وأدخلت البلاد والعباد في سلسلة مفرغة من الديون الخارجية اللامتناهية

.يمكن مقاربة عمق وقع الدين الخارجي من خلال مستويات مختلفة ارتأينا إلى تصنيفها إلى ما هو نفسي وذهني، سيادي، بنيوي، جيوستراتيجي، واجتماعي

نفسيا وذهنيا

من المؤكد أن الهرولة إلى طلب الاقتراض من الخارج هو أسهل الحلول للمفلس المعدوم الغير قادر على الخوض في تغييرات جذرية مادامت قدرته ورؤيته لا تتعدى حدود قانون المالية السنوي. يقوم صانع القرار بتصريف الأعمال خلال مدة ولايته ويترك الإرث الثقيل لمن يأتي بعده. ثمة شيوع رهيب للانهزامية والخضوع وغياب حس المسؤولية وانعدام الثقة في
.النفس و التواكل والعجز عن إبداع الحلول وافتقاد الشجاعة أو الرغبة في خوض تجارب الإصلاح

السيادة

هل يمكن الحديث عن السيادة الوطنية في ظل قيود الدين الخارجي؟
،كل قرض خارجي يمنح بمعية حزمة من البنود التي تفرض شروطًا تخص أساسا ركائز التدبير الداخلي من قطاع التعليم والصحة وصناديق دعم المواد الأساسية والاستثمار الداخلي
.كما تفرض بعضها تسهيل ولوج بضائع الدولة المانحة لسوق الدولة المستفيدة من القرض و الظفر بمناقصات المشاريع العمومية الكبرى
.ما يزيد الطين بلة هو ارتباط المشاريع الإستراتيجية الوطنية بالقرض الخارجي و توظيفها كأداة ابتزاز من لدن قوى خارجية مما يفتح المجال أمام التطويق والوصاية والإملاءات

بنيويا

هل يعقل أن تحل المشاكل البنيوية بالتماس الحلول السريعة؟
يأتي الدين الخارجي على هياكل الاقتصاد الوطني ويعبد الطريق أمام التدخل الأجنبي ويعطيه الشرعية في ذلك. لا يخفى على أحد أن الدين الخارجي يرهق كاهل الميزانية السنوية من خلال ما تمتصه تكاليف خدمة الدين من قسط وافر من الناتج الوطني الإجمالي ويحد من حرية الاختيار حيث يتم تقزيم مجال الاختيارات والبدائل عند وضع المخططات القصيرة والمتوسطة المدى وابتزاز سلم الأولويات. على المدى المتوسط والبعيد، تتضعضع المناعة الداخلية للاقتصاد الوطني و تتعمق الفجوات البنيوية مكرسة هشاشة منظومة الأمن الاقتصادي برمتها. تطفو إلى السطح تجليات تذبذب النمو الاقتصادي، تقلص موارد الاستثمار، انخفاض قيمة العملة المحلية، عجز الميزان التجاري، عدم التحكم في مستويات التضخم
.اندحار تنافسية المقاولة المحلية وإفلاسها، استفحال نسب البطالة
لكن الأخطر هو إلحاح صناع القرار على المضي قدما داخل نفس النفق المظلم والحفاظ على نفس التصورات والسياسات التي تحيل ضمنيا على توظيف الدين الخارجي في التمويه عن الأسباب الحقيقية للإخفاق، فشل المقاربات المتبعة في خلق الثروة وتوزيعها، الاحتكار والريع، عدم تنوع الأنشطة الاقتصادية والارتهان إلى قطاع وحيد و اضطراب علاقة التنمية
.والنمو الاقتصادي

جيواستراتيجيا

من المؤكد أن عملية منح القروض لا تنفصل عن القرار السياسي والاعتبارات الجيوستراتيجية وطموح القوى الكبرى في التوسع والسيطرة والسطو على الضعيف في زمن تتميز فيه
.العلاقات الدولية بالشرعنة و الغطرسة والفهلوة ومنطق القوة و انعدام الاعتبارات الأخلاقية
مما لا مرية فيه يحيل واقع توافر عوامل تقويض ثوابت السيادة الوطنية وتخلخل المقومات البنيوية لأي بلد على التبعية و استدامة التدخل الخارجي و الخضوع لابتزاز المشاريع
.الإستراتيجية الإقليمية وإملاءات أقطابها

اجتماعيا

يبقى المتضرر الأول والأخير والمباشر هو المواطن الذي يتحمل فاتورة دفع أقساط القروض الخارجية لانكباب واقتصار المخططات الحكومية على الجانب التقني الاقتصادي الصرف وإهمالها للجانب الاجتماعي من قوت يومي للمواطن وخدمات صحية وتعليم. من النافل القول أنه أمام ارتفاع الأسعار تنهار القدرة الشرائية وتتآكل الطبقة المتوسطة وتتعمق الهوة
.الطبقية و تندحر الطموحات الجماعية والفردية على حد سواء

حلول

.لا مناص من تغييرات جذرية تستهدف المقاربة التنموية المتبناة وتصورات تحقيق النمو الاقتصادي واستدامته وماهية مقاربة معادلة النمو – التنمية
يجب ترميم البيت الداخلي عبر تقوية الإنتاج بتشجيع الاستثمار وخلق بيئة منافسة حرة وصحية بمحاربة الاحتكار وتحرير النشاط الاقتصادي من سطوة السياسي وتبني إصلاح ضريبي تحفيزي عادل و منتج وتشجيع ومواكبة خلق ونمو المبادرات الصغرى و اتباع سياسة تقشف عقلانية تبدأ من رأس هرم الهياكل التدبيرية في ظلال حكامة رشيدة قائمة على المساءلة
.والمحاسبة والنقد
.كلما تأخر موعد الخوض في التغييرات الجذرية الإصلاحية إلا و ثقلت فاتورة ضريبة الإصلاح

تم نشر المقالة على رأي اليوم يوم 28 أكتوبر 2021 أنقر

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *