من المؤكد أن نتائج الألعاب الأولمبية تعكس طبيعة البيئة السائدة في البلد ونوعية القيم النشطة في المجتمع. في معظم بلدان المنطقة العربية يسود القحط بجميع أنواعه انطلاقا من السياسي والاقتصادي وصولا إلى الثقافي. تسود سلطة الصوت الواحد: صوت الفئة القليلة التي تحتكر كل شيء وتأتي على الأخضر واليابس وتوقف حركة الزمن لاستدامة الاستبداد والوصاية والسيطرة على البلاد والعباد. من الطبيعي أن يتم وأد جميع الطاقات واقبار المادة البشرية الخام التي لن تحيل عملية استثمارها وتدبيرها الجيد إلا على نزع امتيازات النخبة
.وفرض التعددية والتشييد لتكافؤ الفرص. هيهات ثم هيهات أن يسمح بذلك أو حتى التحدث إلى النفس عنه
تتميز البنيات الثقافية والذهنية بالانهزامية والإحباط وعدم الإقدام على المستقبل مما يفسر نزوع السواد الأعظم منا إلى العودة المستمرة إلى الماضي البعيد والتغني بانجازات الأجداد في الأزمنة الساحقة واستعارة أنماط فكر عصرهم لمواجهة تحديات عصرنا باختزال الزمان والمكان وتاريخية الأحداث. بطبيعة الحال لن نجني إلا الفشل وعدم فهم الحاضر والتأقلم مع
.متغيراته وبالتالي الخروج عن حركية التاريخ
لا تثريب على توق الناس إلى الإنجازات لحفظ الكرامة والنخوة والأنفة، لكن بطبيعة الحال ليس بمعية حكامة فاشلة لم تنتج الا الارتداد والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية
.والنفسية
بمجرد المرور السريع على أسماء صناع القرار الرياضي يتضح بجلاء وبسرعة زحف أصحاب السمو والفخامة من المحظوظين أصحاب الخوارق الذين يتفوقون في الجمع بين
.المناصب وتعميم الفشل والخراب أينما حلوا وارتحلوا مقابل تغييب مريب لأهل الدار من ذوي الاختصاص
إذا كان مبدأ “التكليف على أساس الكفاءة والاستحقاق” من أساسيات حدوث الإقلاع، فالعكس هو الحاصل تماما في معظم بلدان المنطقة العربية حيث يسمو عرف المحسوبية و يعلو
.الفساد ولا يعلى عليه
ترتكز عملية صناعة القرار، إذا ارتقت أصلا لصفة صناعة، على الارتجالية والمزاج وردود الفعل الفورية دون تريث أو ضبط النفس أو إشراك مراكز الدراسات الاستراتيجية في عملية
.بناء القرار. ثمة غياب واجحاف في حق البعد الاستراتيجي وما يكتنفه من دراسة وتبصر ومتابعة
من النافل القول أن الإنجاز كحدث يولد من رحم مقومات مادية ومعنوية معروفة لدى العادي والبادي حيث يتم تملك تفاصيل العناصر ولا يترك شيء للصدفة. عندنا كل شيء يقوم على
.الصدفة و ما يجود به القدر من هدايا لينطلق بذلك التطبيل والتمجيد والاختطاف والتمويه
.باقتضاب، لا يمكن توصيف عملية إنتاج البطل إلا كصناعة من خلال مشروع عمل له خارطة طريق معينة ومحددة المعالم
رغم تراكم الاخفاقات تعاد نفس التصورات بتفاصيلها دون أدنى اكتراث بمشاعر الناس وبتجاهل تام لطموحاتهم ومخاوفهم، بل الأدهى من ذلك تتم تزكية وترقية المسؤول عن الإخفاق
.وينال المزيد من الإطراء والغنائم في تحد تام للشعب ما دامت الوصاية قائمة والمواطنة مغيبة. يظل مبدأ المحاسبة والمساءلة معطلا و ملغيا إلى حين
تجد الرياضة كنهها وهويتها في بناء الإنسان وتربيته وصقل مهاراته وتقويم سلوكه وصهر ذخائره وعزائمه في عملية تهيئة المجتمع للإقلاع نحو التنمية. ترقى الرياضة في سلم
.الأولويات المجتمعية و تحظى بالأهمية والحساسية القصوى وتخصص لها المقومات المادية واللامادية على حد سواء
.في المنطقة العربية تستقر الرياضة أسفل سلم الأولويات ولا تعدو أن تكون من عناصر الكماليات ولا توظف إلا في احتواء ردود فعل الشعوب وترويض مشاعرها
باعتبار أن كرة القدم تستأثر باهتمام السواد الأعظم من الناس فهي تنال سخاء المخصصات المالية الحكومية ومتابعة التغطية الاعلامية مادامت ستؤدي وبامتياز وظائف تهدئة النفوس
.وامتصاص السخط الشعبي وقلب الحقائق وتوفير فرص تمرير القرارات. لا غرابة إذن أن يطال البقية من الرياضات التهميش والازدراء
تم نشر المقالة على رأي اليوم يوم 01 غشت 2021 أنقر