دروس مستقاة من فوز إيطاليا بكأس أمم أوروبا لكرة القدم 2020
November 5, 2021
أليست الألعاب الأولمبية إلا مرآة لواقع التخلف العربي؟
November 23, 2021

لماذا يعرض السياسي في المنطقة العربية عن كتابة سيرته الذاتية؟

أميل إلى القول أنه من عرف الساسة في العالم الغربي الإقدام على تدوين أهم أحداث حياتهم وخصوصا السياسية في سيرة ذاتية للبوح بتفاصيل ما يراد قوله للعموم وترك المجال أمامهم من أجل الحكم. كثيرة هي الأمثلة الشهيرة في هذا الباب والتي ارتقت إلى مراجع في الأدب السياسي وبناء المخططات السياسية. نعي جيدا قيمة تلك الكتب والقول الثقيل الذي تحمله ورشاحة التجارب التي تقدمها كدروس للمستقبل وعبر نحو تفادي تكرار نفس الأخطاء والتصورات. تُجسد الفكرة تمثلا لضرورة توثيق تجربة معينة في حقبة زمنية محددة يقول فيها السياسي ما لم يتمكن الكشف عنه خلال مرحلة تحمل المسؤولية الرسمية بعد تحرره المادي من جميع الالتزامات الرسمية يهدف من خلالها إلى إراحة الضمير و تنوير الرأي العام
.وإبراء الذمة و الدفاع عن قناعات شخصية ودوافع اتخاذ بعض القرارات برفع الحجاب عن كواليس ظلت في مقام المجهول عند السواد الأعظم من الناس

ثمة أمثلة كثيرة لنماذج مشهورة من كتب السيرة الذاتية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر السيرة الذاتية لأدولف هتلر، ماهاتما غاندي، نيلسون مانديلا، مارغريت تاتشر، هنري كيسنجر، ببل كلينتون، هيلاري كلينتون، و توني بلير. قال أصحابها كل ما أرادو الإفصاح عنه وقدموها للقراءة والتوضيح والإخبار والتفنيد أو التكذيب وتركوها للتاريخ وخلدوا أسماءهم وأفكارهم. هي ثقافة تمنح الإلهام وتوطد لأدبيات الحوار الداخلي وتقوية لحمة النسيج الاجتماعي بحماية الحريات وتقنين الخلافات في مناظرات نقاش وتحاور تمنح لكل طرف
.حق الدفاع عن النفس وتترك للقضاء قدسية القول الفصل في كل النزاعات والاتهامات وتدبير آليات المساءلة

في المنطقة العربية، حيث دائما الاستثناء بشيوع الانغلاق والتوجس والحذر وقدسية المقاربة الأمنية، تظل تجربة الإقدام على تدوين السيرة الذاتية استثناء عند النخبة المثقفة من كتاب ومفكرين وتميل إلى النذرة عند الساسة. من المؤكد أن المسألة طبيعية وتجسد لتجليات واقع تكتنفه التناقضات والأزمات المركبة والمتشابكة. لذلك يميل القارئ في المنطقة العربية إلى المصادر الأجنبية من كتب وجرائد ومجلات ومواقع إخبارية للوصول إلى المعلومة الخاصة بأحداث وطنه مؤمنا إلى حد ما بمصداقيتها بعدما فقد الثقة في مصادر الخبر في الرقعة
.الجغرافية التي يعيش فيها

:تتجسد أهم دوافع إعراض الساسة في المنطقة العربية عن الخوض في كتابة السيرة الذاتية في

.الخوف من إفشاء الأسرار وذكر أسماء شخصيات سياسية أخرى والخروج عن طوع الحاكم خصوصا وأن نفس الأسماء تتداول الولايات والمناصب وإعادة نفس التصورات

الحقيقة في كنهها صادمة ومتجردة من المشاعر والوجدان والوعاء القائم من بنيات ذهنية ونفسية وثقافية لا يحتمل وقع الزلازل والصدمات التي قد تحدث إثر تسريب بعض أسرار
.البيت الداخلي لصناعة القرار. الناس عموما تميل إلى ما يدغدغ مشاعرها ويخاطب ودها بترديد ما تحبه من كلام وحقائق مزيفة و خطابات شعبوية تتفادى الصدام مع أهواء العامة

في ظل مجتمع منغلق يقدس الطابوهات تبقى الحشمة فوق كل اعتبار ولا يجوز إفشاء أسرار قد تتحول إلى فضائح أخلاقية تخدش الذاكرة الضيقة واللينة عند البسطاء من الناس حيث
.يسود الاختزال و الجزم في اتخاذ الأحكام

غياب وزن الكتاب الغير مؤثر أصلا في مجتمع لا يقرأ وله أولويات أخرى تخص أساساً معاشه اليومي من أجل إشباع حاجاته الفسيولوجية والبيولوجية فيما تبقى القراءة ترفا وربما
.مصدرا للأرق والوجع يمكن الاستغناء عنه في بيئة، نفسيا وذهنيا، تعيش التذمر والإحباط

تم نشر المقالة على رأي اليوم يوم 20 يوليوز 2021 أنقر

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *