The earthquake (2)
October 12, 2021
دروس مستقاة من فوز إيطاليا بكأس أمم أوروبا لكرة القدم 2020
November 5, 2021

نحو إحياء وترسيخ ثقافة هدم الهدم

من وقت لآخر نردد مقولة “والحق هدم الهدم” ونغوص في عمق معانيها لبناء الرؤية والانطلاق نحو الأفضل. من المؤكد أن العبارة تحيل على التدبر والمساءلة والنقد والقطيعة مع البنيات الفكرية والذهنية والنفسية المميتة والترفع عن العوائق المادية والنوعية من أجل تشييد ثقافة البناء و زرع
.محفزات الحركة والإبداع لتحقيق الإقلاع والتنمية

غني عن البيان القول أن التنمية تحدث في بيئة قيم نوعية تشكل قوة دفع نحو العمل والإنتاج والابتكار من خلال قيم نشطة تحيل على الحركية والتطلع. هو الواقع الذي نعاينه في تجارب تنموية عديدة حيث تختلف الخصوصيات وتتوحد قيم النجاح والتفوق والكرامة والشفافية والمساواة. أليس واقع البلد بانعكاس لنوعية القيم النشطة في نسيجه الثقافي؟

في المنطقة العربية، ثمة ميول غريب نحو هدم كل ما هو جميل وبنَّاء ومنير ومتمرد على المعهود سواء تعلق الأمر بالسياسة أو الاقتصاد أو الفكر أو الاجتهادات الفقهية أو الفنون أو الرياضة، لا يسلم أحد من مدافع الهدم والنقد السلبي والعدمي المُدمِّر. يتم وأد الأفكار في المهد، ويُجهز على أجنة المبادرات في الرحم ولا يقبل كل جديد حتى يصير قديما. نئن تحت وطأة جحيم الهدم المادي والمعنوي من القريب قبل البعيد في العائلة ومن
. الجار والصديق ورفيق العمل حتى أصبح سقف طموحاتنا لا يتعدى التعايش مع خيبات الخيانات وتوالي المكائد

الفكر نفسه مستشري في العلاقات البينية بين الدول العربية من خلال تبخيس مجهودات الجار في تحقيق الاقلاع والتامر على اختياراته الاستراتيجية وتقديم العون للأجنبي من أجل تطويقه واسقاطه واستغلال خيراته. للأسف، عوض الانكباب على تشجيع أي نموذج عربي واحتضانه ومؤازرته والاستفادة منه، يتم محاربته وايقافه ونزع روح الأمل من انبعاثه سواء تعلق الأمر بتجربة ديمقراطية، أو محاولة بناء لتصور اقتصادي معين
.أو مشروع فكري حداثي

لا غرابة أن نجد أنفسنا أسرى البلقنة والتطويق والفردانية و الوهن والهوان والتيهان ومذلة التخلف و فريسة الاستعمار والأطماع الخارجية مادام
.النزيف داخليا وجيوب الاختراق متاحة ومتعددة

لماذا النزوع نحو التبخيس والازدراء والتيئيس والتحجيم والاستهزاء؟ لماذا نرحب بإخفاق وفشل بني جلدتنا ونبدي الانبهار للآخرين؟ أليس هدم الآخر هدما للذات؟ لماذا هذا التخريب الذاتي للجسم العربي الواحد؟

من الصعب الخوض في تقديم أجوبة شافية لبعض الأسئلة المركبة أو الإحاطة بعناصرها مادام هناك تشابك وتداخل المعطيات النفسية والذهنية و السوسيو ثقافية والاقتصادية. ومع ذلك يجب الانبراء لتفشي هذا الوباء والتنبيه لسمومه في محاولة ليست باليائسة لإيقاظ الضمائر ومخاطبة
.الجانب الطيب في النفوس

من المؤكد أن نعرات الأنانية والعدوانية والحقد تشتغل بقوة و تستجيب لأهداف بطاريات شحن لا تفتر أبدا، إذ عوض الإقدام على المدح والتشجيع والتحفيز ننطوي على الذات الفردية و نظل تحت سيطرة نعراتها وترسبات تجاربها المريرة من انكسارات وإخفاقات. يغدو السلوك إذا انعكاسا
.لخبث النفوس من ضغينة وحسد وكراهية في غياب تام لاعمال العقل وتحكيم الحكمة والتماس المصلحة العامة

حقيقة، تتميز الحالة النفسية والذهنية للمواطن العربي بالانكسار واليأس والإحباط، اذ أن الاضطرابات النفسية الشائعة لا حصر لها وحدتها تتعمق يوما بعد يوم، لا غرابة إذن من ذيوع عدم الثقة في النفس و النرجسية وعقد النقص و الاعتداد بالنفس وتسيد قيم التفرقة و ضرب قيم التضامن. كيف لقيم الجمال ومكارم الأخلاق أن تسود في بيئة حولتها الى أوهام و تمثلات لتصورات لا تتحقق؟

لا مناص من التشديد على دور السياسي في ترسيخ ممارسات الهدم فكرا وفعلا. ماذا ينتظر من حاكم يؤمن بقوة بمقولة : فَرِّق تسد و يحتكم إليها لضمان الشرعية والبقاء في الحكم. حيث أن تماسك النسيج الاجتماعي من خلال قيم التضامن والتكافل ونكران الذات لن يأتي إلا بالويلات وإسقاط الكراسي وانبعاث الانتفاضات. لا بديل اذن عن تأجيج نزعات الفردانية والطموح الشخصي والأنانية لضرب الروابط والأواصر والادعاء بتقنينها مؤسساتيا في جمعيات المجتمع المدني الخاضعة لوصاية وأوامر صناع القرار. في نفس السياق وداخل نفس النسق تندرج عمليات صناعة الرداءة والتفاهة والاجهاز على الأنظمة التربوية وعملية التثقيف العام وتشجيع كل قبيح وخبيث بكل صفاقة وعدوانية. مدخلات توظف من أجل تحقيق
.مخرجات الاستفراد بالحكم واحتكار الثروة واستدامة مصالح القلة المحظوظة وخدمة الأسياد في الخارج

تم نشر المقالة على رأي اليوم يوم 9 يوليوز 2021 أنقر

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *