The Big Day
June 2, 2021
The Autobiography
September 1, 2021

إسهام طوابير المؤثرين في تعمق ظاهرة الانكماش الثقافي

غني عن البيان القول أن مصادر المعرفة تجد منابعها في أمهات الكتب وأعمال الفلاسفة وإثراء العلماء والمفكرين المجتهدين الذين غيروا مجريات التاريخ وشيدوا لتصورات وأفكار أغنت العطاء البشري وارتقت بنمط عيش الناس إلى مستوى أفضل عبر تحقيق تعايش سلمي ببناء علاقة ودية مع
.الطبيعة واستيعاب أفضل لأسرار الحياة
انطلقت عملية بناء المعرفة بالملاحظة والتفكر والتدبر والبحث والتدقيق والتحقيق عبر مسار علمي تراكمي أساسه التفنيد والهدم من أجل الإثراء في رحاب نسق عمل شاق قائم على التشكيك والبحث المتواصل والإيمان بنسبية المحصل من المعارف والحقائق وإقصاء اليقينيات والحد من
.سلطة الأساطير والخرافات والأوهام
مع شيوع تجليات الثورات التكنولوجية خصوصا في مجال تقنيات التواصل والإعلام والمعلوميات وبموازاة توغل منطق العولمة في غالبية المجتمعات، تسيدت سلطة الإنترنت وفي ثناياها شرعية سيادة مواقع التواصل الاجتماعي التي ارتقت إلى مستوى نمط عيش و غدت أهم وسيلة
.في التواصل والتقارب وقلصت المسافات الزمانية والمكانية على حد سواء
بين عشية وضحاها تناسلت أعداد نجوم على مواقع التواصل الاجتماعي تعرف بالمؤثرين وتستأثر بالمتابعة وتبدي الرأي في القضايا الراهنة وهموم الناس. كلما وقعت واقعة أو حدثا معينا إلا وكانت بالمرصاد وتقدمت إلى الواجهة من أجل تقديم التأويلات والقراءات وإعانة الناس على فهم حقيقة ما يجري من أحداث، فأضحت التأويلات جاهزة ومتاحة و بسهولة وسرعة ودون عناء، بل أصبح الجهد مدخرا وأرق البحث عن المعلومة
.متجاوزا والوقت مكتسبا والحكم مختزلا ونهائيا
من المؤكد أن الظاهرة تستحق المتابعة وتتطلب المساءلة والتمحيص لما تكتنفه من انعكاسات عميقة تمس الواقع الثقافي العربي الذي يئن أصلا تحت وطأة الارتداد والجمود والانكماش وسلطة السياسي المتزايدة وقد تتعمق خطورتها مع ذيوع التناقضات الداخلية في النسيج الاجتماعي
.وهشاشة البنيات الذهنية والنفسية والفكرية وتضعضع الوعي الجماعي وعملية الإدراك
:حقيقة تُساهم طوابير المؤثرين، سواء بادراك أو بدونه، في المس بالرأسمال الثقافي وتعطيل حركيته ونشاطه وانبعاث قيمه النشطة من خلال
.الإجهاز على قيم العمل والكد والمكابدة في البحث عن المعرفة والتماس السبل الصحيحة –
.نشر الرداءة والتفاهة باعتبار سطحية ما يروج من أفكار وشعبوية الخطاب المستعمل –
.تشكيل إدراك سطحي لدى السواد الأعظم من الناس وبناء وعي جماعي هش –
.تعطيل العقل ومحاربة الإبداع –
.التأسيس لبنيوية الخنوع والخضوع والتبعية –
.إعانة السياسي في بسط سيطرته على الثقافي وتعميم الاحتكار بكل أنواعه –
.تعمق الانكماش الثقافي وانحدار الذوق وشيوع القبح وتشويه المتخيل والتمثلات والانتقال من سلسلة الارتداد إلى القحط والجفاف الثقافيين –
.الإجهاز على اللغة وتقويض الهوية –
كل ما ذكرناه آنفا لا ينطبق بالتأكيد على كل المتدخلين والفاعلين على مواقع التواصل الاجتماعي، بل بالعكس ثمة زمرة من الفاضلات والأفاضل من اختصاصات متعددة لا يألون جهدا في تنوير العامة وتقويم عملية الارتواء لديهم وإرشادهم إلى مصادر المعرفة الحقيقية رغم الويلات التي يتكبدونها والحصار المُطبق عليهم بفعل تهاطل ردود فعل الجهالات من كل حدب وصوب فقط لأنهم يسبحون ضد التيار ويقاومون مد الخطاب
.الشعبوي الذي لا يُبقي ولا يذر
بإيجاز، عبارة واحدة من سراج مثقف حقيقي منخرط في قضايا بلده وأمته خير من تدفق أنهار كلمات هراطقة الشعبوية. إذ في العبارة تكتشف الكلام الثقيل حيث الفكر والمعرفة والحكمة ووجع الضمير والنصيحة لصناع القرار والمنطلق لسبر أغوار عوالم متداخلة والدعوة إلى الروية والتأني وعدم اختزال الأمور والجزم بالأحكام. بينما في غيابات ثرثرة الهراطقة تهوي الى الدرك الأسفل من الجهالات وضنك العيش وتنسلخ إنسانيتك عن
.طبيعتها وتصفد بالخنوع والاستلاب
يراد للصوت الأول الخفوت لكنه يظل خالدا لشرعية قضيته وفحواه، فيما يطلق العنان للصوت الثاني بالتهليل و عبارات الترحيب والاحتضان ومع
.ذلك يندثر مع هبوب الرياح ويختفي الى الأبد
فهل سننجح في المقاومة والممانعة والحفاظ على حق الاختيار والانتماء؟

تم نشر المقالة على رأي اليوم يوم 11 يونيو 2021 أنقر

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *