ما يستشف من تسابق الكبار نحو الإعلان عن التوصل إلى لقاح ضد فيروس كورونا
December 8, 2020
التنمية وذخائر القيم النشطة
January 12, 2021

المنظومة التربوية في المنطقة العربية: بين الشحن والتفريغ ومعاداة الخلق والإبداع

لا أحد ينكر مفصلية المنظومة التربوية في بناء الإنسان والشعوب ونماذج التنمية، إذ تستوطن المنظومة التربوية النواة الصلبة لخلايا عمليات البناء
.فهي المحدد المحوري للتصورات والأنساق والآليات وعمليات التقييم والمساءلة
من النافل القول أن المنظومة التربوية في المنطقة العربية عرفت سلسلة لامتناهية من الخيبات والنكبات انتهى بها المآل إلى الاندحار وتفريخ الأزمات. تتعدد الأسباب وتتشابك باعتبار طبيعة ونوعية التجربة التربوية التي يتداخل فيها النفسي والسيكولوجي والثقافي والاجتماعي والسياسي
… والاقتصادي
تعددت عمليات بناء البرامج والتقويم و الإصلاح لكن النتيجة ظلت واحدة: الفشل ومشتقاته. الغريب في الأمر هو أن فشل منظومة التعليم يتسبب في ري معظم المجالات بسيئاته الغير قابلة للحصر أو المعالجة. إذ تتمثل وظيفته في وظيفة الورم الخبيث الذي يغزو باقي الأعضاء ليأتي على
.الجسم برمته
عموما تتمحور أسباب الفشل وتجد الوعاء في: غياب الإرادة السياسية، سطوة السياسي على الثقافي، قصور في التعاطي مع المعضلة، والتدخل
.الخارجي اللامتناهي
نحاول من خلال موضوعنا هذا مقاربة النواقص الجوهرية التي تعتري معظم المنظومات التربوية في المنطقة العربية من خلال تبني مقاربة واقعية
.وموضوعية لعلها تساهم في زعزعة الضمائر وتذكير أصحاب الهمم

افتقاد الرؤية

من المؤكد أن المنظومة تفتقد الرؤية الواقعية والعقلانية والبعد الاستشرافي المستقبلي. قد تبدو المسالة طبيعية إذ ترتبط أساسا بفقدان الرؤية على صعيد الحكومات المتعاقبة والانكباب أساسا على تدابير إجرائية ترمي إلى تثبيت أسس الوضع القائم وما يبطنه من أهداف خفية يعرفها أهل
.الحكمة والبرهان
.إذا غاب الهدف، غاب التصور وآليات تحققه

نظام تربوي قائم على التلقين والاخضاع

ترتكز عمليات تمرير المعلومة وترسيخها على التلقين والشحن المكثف الذي تكتنفه مساوئ قاتلة من قبيل الإجهاز على ملكات الخلق والإبداع عند المتلقي، تعطيل ملكة إعمال العقل، تكريس النزوع نحو التبعية مقابل قتل روح المبادرة، تكريس الخضوع والخنوع مقابل وأد روح الاستقلالية
.والأنفة والتحرر
إذ من المفترض الإلحاح على تشجيع المبادرة بما تكتنفه من أخطاء وهفوات والتخلص من الخوف ووصاية الآخرين، والعمل على تطوير حس النقد
.لدى المتلقي من أجل بناء إدراك شخصي سليم

طمس نفسية وذهنية المتلقي

هناك إلحاح على تغييب الجوانب النفسية والذهنية والسيكولوجية عند المتلقي. لا تكترث البرامج التعليمية عمليا بعملية البناء النفسي والذهني ومدى تحكمها في سلوك المواطن مستقبلا. كل ما تقوم بترسيخه لا يخرج عن حدود وقيود الانهزامية والتبعية وعدم التوازن وعدم الثقة في النفس
.والإقبال على المستقبل
لم يصل المتلقي بعد في نظر المنظومة التربوية إلى درجة الإنسان الذخيرة صاحب الملكات والأحاسيس وصانع الثروة إذ لا تحظى طموحاته
.وهمومه وردود الفعل لديه إلا بالازدراء و الاحتواء و التضييق و القمع

المرونة

تفتقد المنظومة التربوية للمرونة ولا تستجيب لمقومات التأقلم واحتضان حسنات التحديث والتجديد. بالمقابل تتأسس على بنيات تقليدية تشكل ممانعة أمام كل محاولة تغيير وتحول دون توفر بيئة سليمة حاضنة لكل ما هو جديد وحركي ونشيط رغم استعارة مساحيق التجميل والتلميع لإخفاء
.ما يبطنه العمق

مطبات آليات التقييم

تتمثل ماهية الامتحان في تقييم فعالية البرامج وعطاء الأستاذ وتجربة الاكتساب لدى المتلقي. هدفها هو التشريح والفحص من أجل خلق الأفضل. في المنطقة العربية يبتعد الامتحان عن ماهيته وأهدافه ويتحول إلى أداة لمعاقبة المجتهد والمبدع وتعطيل الملكات ووأد القدرات وإنتاج الجهل بكل
.أنواعه و لا يعلو عن كونه أداة لضبط وصيانة معادلة الشحن والتفريغ المقدسة منذ زمن سحيق

استدامة التسليم باليقينيات

تقوم المعرفة على عمليات الهدم المستمرة من خلال مسار معرفي تراكمي يقوم على التدرج والتيسير و التشكيك و التساؤل و يؤمن بنسبية الحقائق النامية. كم من نظرية قامت على من سبقها من أفكار واجتهادات ولم تأتي من عدم. فيما تئن المنطقة العربية تحت وطأة نزعة قاتلة
نحو الجزم والتلقين و الترفع عن السؤال. ليس غريبا إذن أن نعاين بقوة اشتغال غرائز الاعتداد بالنفس و التشدد والانغلاق والإقصاء والسيطرة

رمزية الأستاذ

التعليم يقود إلى التحرر والتمرد وهذا ما يهابه الحاكم الذي يفتقد الشرعية. يراد للأستاذ أن يظل مجرد عنصر تختزل مهمته في التلقين والشحن ولا يحظى إلا بالتوجس والاستخفاف، كيف لا وهو الداعي إلى التحرر ومنذر العقول وصانع المستقبل. في نظر الأنظمة هو شر لابد منه ولا مناص من
.النيل من رمزيته و إغراقه في المعاناة و تحويله إلى أداة لنشر الجهل والتضليل والارتزاق

تم نشر المقالة رأي اليوم يوم 26 دجنبر 2020 أنقر

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *