BLUE BLOOD
January 28, 2020
The Loyal Guardian
February 3, 2020

في الحاجة إلى المثقف المنخرط في قضايا قومه وبلده وأمته

قد يكون شخصه منبوذا عند المستبد لأنه يشكل تهديدا لبقائه ودوام سلطته بالقدر الذي يجسد حضوره مصدر إزعاج وقلق للعامة لأنه يؤرق ويقظ راحتها الفكرية ويزلزل مسلماتها وتصوراتها، لاينال إلا التهميش والتوجس في وسط يسوده الجهل والاستبداد. هو المثقف ذاك الكائن المنخرط في قضايا ومعاناة بني جلدته لا يتخذ الحياد مسلكا وينعزل ولا يتجرد عن اكراهات الحاضر ومرارته. يستمتع بلذة ونشوة الفكر ويغور الأعماق بحثا عن الحقيقة رغم معاناته الصامتة وملازمته مرارة الحقائق الصادمة التي قد تأتي على ثبات العقول وقوة العزائم وعلو الهمم، يقاوم ويكابد ويسعى إلى إيقاظ الجميع من هول الضياع وموت الغفلة. يبدي الشجاعة في السعي وراء الحقيقة رغم ثورية طبيعتها ولايبدي الجبن في مصارحة
.قومه أو التماس مايدغدغ مشاعرهم وعواطفهم من خطابات الشعبوية وتغييب العقل وترويج الأوهام
.لن نقدم على تعريف هوية المثقف لضخامة وهول المهمة، لكننا مع ذلك سنحاول مقاربة دوره ووظيفته لعل وعسى في ثنايا مقاماتها نستطيع مقاربة هوية المثقف الحقيقي الصادق
إذا كان المثقف المرتزق اختار أقصر السبل وأخبث الوسائل توقا إلى الغنى والوجاهة والمناصب، فإن المثقف النزيه اختار الوطن وصدق الانتماء وشرف الجهاد والتضحية في سبيله. من الواضح أن العامة تصنف وظيفته في خانة الكماليات وتقصيه مسبقا من رحى الأحدث، لكن بالتدبر والعمق في التفكير يتضح ما يفترض أن يكون جليا عند الجميع

على المستوى الذهني والفكري

وهو المستوى المنطلق في كل مبادرة لأنه يهم الإلهام و الأفكار والتصورات. حقيقة يشارك المثقف فعليا في بناء فكر سليم ومعتدل من خلال المساهمة في بناء المفاهيم والتصورات واكتساب فكر نقدي معين على تمييز وتبيان حقيقة الأمور وفهم ردود الفعل وامتصاص وقع خيبات الأمل. كما يعمل بتمرده الفكري المستمر على إنقاذ العقل من الاستسلام لسلطة اليقينيات والأوهام والأحكام المسبقة ويدعوه الى العقلانية والنشاط المستمر دون الاتكال على الجاهزية والتواكل والوصاية في استيعاب مجريات الأمور ويحثه على التحكم في غرائزه
.البدائية والترفع على دنايا الاهتمامات والانشغالات

على المستوى النفسي

يساهم المثقف في بناء التوازن النفسي للشخصية ببث روح الأمل والتفاؤل العقلاني ومنح الطاقة الايجابية وإحياء الثقة في النفس للاستمرار في مواجهة قساوة وضراوة ظروف الحياة
.وعدم الاستسلام أو الخنوع في لحظات الضعف والتيهان

على المستوى الجماعي

يشارك المثقف في المحافظة على تماسك النسيج الداخلي ومتانة منظومة الأمن القومي وحماية الدولة من التفكك من خلال التنبيه للتناقضات الداخلية والتعبير عن هموم الشعب وإيصال
.صوته والكشف عن محاولات الاختراق الخارجي
يرتقي المثقف إلى مقام رائد الوعي الجماعي والواقي من سلطة الأوهام و البديهيات والخرافات، ويمثل قاطرة الرفع بنوعية اهتمامات الناس وتوجهاتهم ومخاوفهم من خلال عمليات
.التنوير والتثقيف والتأطير. كما يعين على فهم الواقع وكشف الغمة وتقديم الحلول والبدائل في الأزمات و فترات الارتداد والشك والغموض
تظل أسماء رجالات خالدة في أذهاننا وحية في وعينا الجماعي تنير لنا الطريق وتلهمنا الثبات على المواقف، رجالات تصدع بالحق في الحياة وبعد الممات خلدت استحضارها بصدق
.القول وشجاعة الفعل، كلما مر الزمان إلا وازدادت مقاماتها لمعانا وتقديرا عند كل الاجيال

تم نشر المقالة على صحيفة رأي اليوم بتاريخ 29 يناير 2020 أنقر

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *