محاولة حفر في الدوافع الحقيقية للاحتجاجات الشعبية في إيران
December 4, 2019
لماذا رأي اليوم
عن لهيب نار الارتزاق الثقافي
December 18, 2019

عن معاناة أقلية الإيغور المسلمة في الصين

كثيرة هي القضايا التي نتعاطف معها ونتوق نصرتها لانتمائها إلى صنف المطالب البشرية جمعاء، غير أنه من الواضح أننا غالبا ما نتحرك بدوافع حماسة الدفاع عن الدين أو العرق أو
.القومية لكن، وللأسف، بافتقاد لوعي رصين بالقضية وكذا بدون علم بتاريخها ومراحل تطورها وآخر مستجداتها مما يفقدنا العقلانية والقوة في الأداء وردود الفعل
تعتبر قضية أقلية الإيغور من بين البؤر التي تكتنف معاناة أقلية عرقية تستقر بإقليم شينجيانغ بالجمهورية الصينية لعدة قرون وتقاوم شراسة مخطط طمس هويتها الثقافية وعملية
.تدجين عرقها الإيغوري
من هم الإيغور؟
يمثل الإيغور أقلية من الأقليات المسلمة بالصين وتعود أصولهم إلى الشعوب التركية وهم أقرب عرقيا وثقافيا لأمم آسيا الوسطى. يتركز معظمهم بإقليم شينجيانغ في الشمال الغربي
.للصين والذي كان يسمى قديما بتركستان القديمة و يتمتع بحكم ذاتي شأنه في ذلك شأن إقليم التبت في جنوب غرب البلاد
يبلغ عدد الإيغور بالإقليم إلى عشرة ملايين من المسلمين ويتكلمون اللغة الأيغورية التي تنحدر من اللغة التركية. يمتلك الإقليم ثروة معدنية ضخمة ويتميز بموقع إستراتيجي مهم إذ
.يتقاسم حدودا جغرافية مع عدة دول ومن واجهات مختلفة
مخاوف الصين؟
من السهل تلخيص القضية في العامل الديني رغم أهميته باعتبار أن أقليات عديدة من البوذيين والمسيحيين واليهود تقاسمت نفس المعاناة، لكن على ما يبدو تتطلب المسألة محاولة
.حفر جدية في دوافع السلوك الصيني المخالف للقيم الإنسانية وثوابت العيش الكريم
:في الحقيقة تتأسس مخاوف الصين على ثلاثة هواجس محورية
:الهاجس السياسي و الإيديولوجي
تخشى الصين انفصال إقليم شينجيانغ عن الجمهورية الشيوعية، خصوصا وان غالبية سكانه يعتنقون ديانة مختلفة عما هو سائد في البلد، الأمر الذي قد يتسبب في دب الشقاق والتمزق في النسيج الداخلي للبلد الذي يقوم على الولاء للحزب الشيوعي الواحد الذي يسبق الولاء للأسرة أو الدين وليس هناك أي ولاء يعلو عليه. ترقى المسألة إذن إلى مستوى
.قضية أمن قومي وسلم اجتماعي
:الهاجس التاريخي
تميزت العلاقة بين أقلية الإيغور والحكم الصيني بالتوتر والعصيان ومحاولة بسط السيطرة من هذا الجانب والمقاومة من ذاك. تاريخيا كانت هناك دولة تركستان واستمرت لعدة قرون قبل أن تخضع بالقوة لحكم الصين. واستمرت محاولات التمرد لإحياء هذه الدولة خصوصا سنوات 1933 و 1944 غير أن الحكم الصيني تمكن من إخمادها ومنح الإقليم حكما ذاتيا
.بعد ذلك، لكن التوجس من شبح الانفصال ظل قائما وقويا في الوعي السياسي الصيني الذي يصنف تاريخ العلاقة بين الطرفين بالمخيف والمنذر على الدوام
الهاجس الاقتصادي والاستراتيجي
يتمتع إقليم شينجيانغ بمميزات اقتصادية وإستراتيجية مهمة، إذ يجمع بين الغنى الطبيعي والموقع الاستراتيجي الحيوي. يشغل الإقليم خمس مساحة الأراضي الصينية و يكتنز ذخائر
.مهمة من الثروة المعدنية خصوصا موارد الطاقة من بترول وغاز طبيعي إضافة إلى الفحم والنحاس والرصاص واليورانيوم
استراتيجيا يتقاسم الإقليم حدودا مع عدة دول ويمثل أداة وصل بين الصين وبلدان الجوار ويمر بالإقليم طريق الحرير القديم والذي تسعى الحكومة الصينية إلى إحيائه من خلال مشروع
.”جديد تحت مسمى “الحزام والطريق
معاناة الإيغور
.ربما أخطر ما قد يتعرض له الإنسان من إجرام هو طمس هويته الثقافية وتجريده من حق الوجود بإلغاء خصوصيته
.تتعرض أقلية الإيغور المسلمة إلى ممارسات تبدي مالا تبطن حيث تحاول السلطات الحكومية إضفاء طابع النبل والليونة عليها بتسخير أدواتها الإعلامية بفعالية ومكر
يخضع السكان لمراقبة دائمة وصارمة من طرف السلطات الحكومية عبر أخذ عينات من الصوت، الحمض النووي وصور الأشخاص وإجبارهم على تسليم جوازات السفر للسلطات. كما يتم استعمال أجهزة ترصد محتويات الهواتف المحمولة لمتابعة سلوك الفرد وعند وجود شك أو اشتباه في أداء شخص ما (عبر المعايير الحكومية) يتم نقل المشتبه به إلى مراكز خاصة شيدت خلال الثلاث سنوات الأخيرة تحت اسم مراكز إعادة التثقيف بدعوى الحيلولة دون انتشار التطرف. ويصل الحد الأدنى لاحتجاز الأشخاص هناك إلى سنة وتبقى الفترة مفتوحة غير محددة الحد الأقصى. يرتكز نظام الإقامة / التأهيل هناك على التنقيط ويتم إخلاء سبيل المستفيد من التكوين بعد بلوغه سقفا معينا من النقاط يعكس صلاح الفرد ورشده. كما يتم فصل
.الأطفال عن عائلاتهم ووضعهم بمدارس داخلية أنشئت للغرض نفسه
في الواقع تعمل تلك المراكز أو بالأحرى المعتقلات، التي تأوي حاليا حسب تسريبات لوثائق رسمية نحو مليون نزيل، على غسل أدمغة المحتجزين وإجبارهم على تعلم وتكلم الماندرين
.وتغيير نظرتهم إلى ثقافتهم الأصلية وتربية جيل جديد بدون جذور وطمس هويتهم الإيغورية
موازاة مع ذلك يمنع الرجال من إطلاق اللحى والنساء من لبس الحجاب في الأماكن العامة والأطفال من الاستفادة من التعليم الديني وحمل أسماء من مرجعية إسلامية. كما يتم حظر
.الموظفين الحكوميين من ممارسة الطقوس الإسلامية والصلاة في الجوامع وصيام شهر رمضان
من جهة أخرى تعمل السلطات على توطين عرقية الهان (التي تشكل أغلبية سكان الصين) بالإقليم وإجبار نساء الإيغور على الزواج من أجناس أخرى لتفكيك قوة ووحدة أقلية الإيغور
.والسيطرة على الإقليم
!إدانة دولية لكن دون فعالية
:هناك إدانة دولية خصوصا من منظمات غير حكومية لكن تظل غير فعالة لعدة عوامل، أهمها
.قوة الصين على الساحة الدولية ووزنها الجيواستراتيجي ووجوب التعامل معها بحذر لعدم إلحاق الضرر بالمصالح الذاتية لكل بلد
القوة الاقتصادية للصين وتوسعها في أنحاء المعمور
.صعوبة الحصول على معلومات داخلية من إقليم شينجيانغ خصوصا مع عملية منع الصحفيين الأجانب من ولوج الإقليم بحرية والاشتغال وتغطية ما يحدث داخله
يقع الإقليم بمنطقة نائية بالصين وقضيته غير معروفة بالقدر الكافي لدى المجتمع الدولي ويفتقد لشخصية أيقونة مشهورة لدى الغرب تقوم بالترويج لقضية أقلية الإيغور و التحسيس
.بمعاناتهم
.تعوق فكرة الاسلاموفوبيا في الوعي الغربي دون الترحيب بالتعاطف مع القضية والوقوف إلى جانبها
.يتم معاقبة كل من سولت له نفسه التحدث في الخارج بما يقع داخل الإقليم من ممارسات عبر احتجازه أو التضييق على أفراد عائلته
التعاطف مع أقلية الإيغور هو في العمق تعاطف مع جميع أقليات العالم ودفاع عن حقوق الإنسان. متى سنرى مجتمعات متجانسة تحت سلطة القانون لا تستعمل فيها حتى مصطلح الأقليات وتمارس فيها جميع الحقوق بحرية ودون مس بالخصوصية سواء الشخصية أو الثقافية على حد سواء؟
تعتبر الصين الدولة المرشحة لنزع الريادة العالمية من الولايات المتحدة الأمريكية، فكيف سيكون، آنذاك، تعاطيها مع الخصوصيات والحريات في مختلف بلدان العالم؟

تم نشر المقالة على صحيفة رأي اليوم بتاريخ 10 دجنبر 2019 أنقر

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *