في قلب الخلاف المصري الإثيوبي حول تشييد سد النهضة
November 29, 2019
عن معاناة أقلية الإيغور المسلمة في الصين
December 11, 2019

محاولة حفر في الدوافع الحقيقية للاحتجاجات الشعبية في إيران

اندلعت الجمعة الماضية موجة من الاحتجاجات الشعبية بعدد من المدن الإيرانية انطلاقا من مدينة سرجان  واشتدت حدتها إلى درجة سقوط قتيل وتخريب عدة مرافق وإحراق صور
.خامنئي ولجوء الحكومة إلى حجب خدمة الانترنت عن المواطنين 

يتمثل السبب الرئيسي في انبعاث الاحتجاجات في إقبال الحكومة على الرفع من أسعار البنزين بنسبة 50 %  بدعوى مساعدة الأسر ذوي الدخل الضعيف (حوالي 60 مليون مواطن)
.فيما تبدي العامة الارتياب حول جدية النوايا الرسمية باعتبار الفساد المتفشي بالبلاد 

لا نميل إلى تصنيف مسألة اندلاع الاحتجاجات بالأمر المفاجئ،  باعتبار مجموعة من المعطيات والحقائق الداخلية والتطورات الخارجية التي ، من الأرجح،  شكلت الدوافع الحقيقية
.لخروج الايرانيين الى الشارع وجعلت الأمر متوقع الحدوث 

.حقيقة تبقى كل بوادر ظهور الاضطرابات قائمة وليس من الصعب  توقع انبعاثها خصوصا وأن البلد شهد سلسلة من الاحتجاجات الشعبية و بطريقة دورية خلال السنوات الأخيرة 

من المؤكد أن النسيج الداخلي للبلد غير متين وقابل للاختراق من الخارج لعمق تناقضاته الداخلية وتباين توجهات الدولة مع طموحات السواد الأعظم من الشعب،  كما أن عملية تجديد
.العقوبات الاقتصادية الأمريكية سرعان ما أجهزت على قدرات البلد من المنبع وأثرت على مناعته الداخلية 

في الواقع خلفت عملية تجديد العقوبات الامريكية أثرا سلبيا وسريعا على الاقتصاد الوطني ربما لهشاشة هياكله الداخلية وعدم تعافيه من مخلفات العقوبات السابقة. إذ أدت العقوبات إلى تراجع  نسبة النمو، تقهقر قيمة الريال الإيراني، تقلص ادخارات العملات الاجنبية وبطبيعة الحال تأثر عملية استيراد بعض المواد الأساسية، ارتفاع نسبة التضخم (37 % متوقعة
.لهذه السنة) ، تفاقم نسب البطالة، ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية وتضرر القدرة الشرائية لدى المواطنين واتجاه المستثمر الأجنبي نحو أماكن وآفاق أفضل 

ماكان للعقوبات الامريكية أن تستعمل كسلاح ناجع لردع الطموحات النووية الإيرانية لولا تعدد جيوب الاختراق في النسيج الداخلي للبلد. على مستوى التصور العام لمستقبل البلد، هناك تباين في الرؤى والطموحات بين المواطنين وصناع القرار. من جهة  يطمح المواطن الإيراني إلى بناء دولة مؤسسات قوية تضمن ممارسة حرياته الشخصية وتحقيق دخل فردي يصون كرامته ويحسن من نمط عيشه، بينما تصر الحكومات على الذهاب بعيدا في عملية التمدد واستعادة أمجاد الامبراطورية الفارسية باعتماد سلاح الأيديولوجيا الدينية  للتوغل في المناطق القريبة والنائية، لذلك فهي توظف الغالي والنفيس لبلوغ ذلك المبتغى التوسعي وتستنزف الموارد الداخلية للبلد الممكن استثمارها في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلد. من النافل التذكير بالدور الإيراني المادي والملموس في العراق وسوريا ولبنان واليمن ومحاولاتها التدخل في شؤون عدة دول وزعزعة استقرارها كما هو الحال في البحرين والسعودية
.ومصر على سبيل المثال لا الحصر 
يصر إذن صناع القرار في إيران على الذهاب بعيدا في تحقيق أهداف الثورة الإيرانية وتقوية نفوذ الدولة الدينية عوض اتباع خيار الإصلاحات الداخلية والتركيز على تحسين مستوى
.عيش المواطن الإيراني الذي ضاق ذرعا بسياسات التضييق والوصاية على حرياته وعدم استجابة الحكومة لمطالبه والانكباب على التخفيف من معاناته
ما يبرز تعنت الدولة وعدم استعدادها للتفاعل مع الانتظارات الشعبية  وربما افتقاد الواقعية: اتهام المرشد الأعلى لجهات خارجية بالوقوف وراء الاحتجاجات والتهديد بما قد يحدث عند
.تواصل وتوغل أعمال الشغب والعنف ووصف المتظاهرين بالفوضويين والمشاغبين
.هناك ربما تمرد على توجهات واختيارات وأولويات الدولة وأدائها الدبلوماسي

على المستوى الاقتصادي، يرتكز الاقتصاد الوطني على عائدات النفط والغاز ويعاني من غياب هياكل وموارد إنتاج  بديلة لتعميم الدخل من تصنيع وقطاع خدمات. لذلك يظل الاقتصاد
.الإيراني تابعا لتغيرات أسعار النفط في السوق العالمية و حصص التصدير 

على المستوى الاجتماعي يسود عدم التجانس الأطياف العرقية بالبلد إذ يتم تفضيل العرق الفارسي على بقية الأعراق و يوظف المذهب الديني في خلق التجانس الداخلي وانصهار باقي
.الأعراق  في النسيج المحلي عوض التركيز على بناء المؤسسات وعصرنتها. مما يجعل الباب مفتوحا بمصراعيه أمام قيام حركات التمرد والاحتجاج وتواصل الاضطرابات

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *