BE CRAZY ABOUT SOMEBODY / SOMETHING & GO CRAZY
October 10, 2019
Way to go
October 18, 2019

في قلب عملية السيطرة على الإدراك

من النافل القول أن المواطن العربي يئن تحت وطأة تراكم الانكسارات ومخرجات نماذج تنموية فاشلة واختيارات إستراتيجية مفلسة أجهزت على نفسيته ووأدت طموحاته في المهد و
.أهدرت طاقاته وألقت ذخيرته في براثن اليأس والإحباط. هذا المواطن يظل مستهدفا  باستمرار عملية محاولة إخضاعه من طرف صناع القرار سواءا من بني جلدته أو من الخارج 

تستمر النزاعات والصراعات بين القوي من الدول لبسط السيطرة على البقية من الدول المستضعفة وتمتد الصراعات إلى كل ما هو سياسي أو اقتصادي أو ثقافي. غير أن أشرس
.المعارك وأعمقها أثرا هي التي تستهدف عملية الإدراك عند الشخص وتهدد في المقام الأول وجوده و تسلب حريته منذ بداية استيعابه للأشياء ومجريات الأحداث

كيف ذلك؟
لم يعد الغزو المباشر مجديا أو فعالا كما كان الحال عليه منذ قرون، إذ يفتح الباب بمصراعية أمام قيام مقاومة محلية وما تكبده من خسائر بالمستعمر لأنه معروف ومكشوف وحضوره
.المادي ملموس.  في عصر المعلومات وثورة تكنولوجيا الإعلاميات اتجه المستعمر إلى آليات أكثر ليونة وسلاسة لكن أكثر فعالية وأشد قوة وشراسة

يُستهدف إدراك الفرد بالسيطرة على آليات تفكيره وكيفية تشكل وعيه الذاتي، إذ يتم توجيهه بطريقة إرادية نحو بناء تصورات ومفاهيم  وأفكار وفقا لما يخدم أجندة مصالح المستعمر الخارجي. ينهج بذلك سلوكا فرديا مخططا له بطريقة قبلية ويستوعب ما يحدث حوله باستعمال ما أوتي من أدوات وأنساق تفكير. يظن أنه يتمتع بكامل الحرية ويعي ويترفع عن جميع المؤثرات الخارجية حين يهم باتخاذ قرار ما أو إصدار أي رأي أو أي نوع من ردود الفعل، غير أن الواقع يثبت العكس تماما حيث يظل ذاك الفرد مجرد أداة مسلوبة الإرادة مغيبة العقل
.ضحية الغموض والضياع لا تعرف حتى هوية عدوها الحقيقي لأن سقف الاستيعاب و الإدراك لديها تم تشكيله مسبقا ولن يتم التمرد عليه أو محاولة تجاوزه

عملية السيطرة على الإدراك هي إذن جريمة تحاك بدقة بعد دراسة نفسية و سيكولوجية الشخص و توقع نوعية ردود فعله تضرب في العمق عملية بناء الإنسان بعد استلاب حرياته
.الشخصية بما فيها طموحاته و قناعاته و حتى أحلامه

ماذا عن مسؤولية الدولة

همَّ صناع القرار منذ الاستقلال على بناء هياكل الدولة القطرية بالطريقة التي تضمن استدامة امتيازاتهم وبقائهم في مراكز القرار، فتم تهميش عملية بناء المواطن وتأجيلها إلى أجل غير مسمى للسيطرة على إدراكه والإمساك بزمام الأمور بقبضة من حديد، لذلك ليس غريبا أن يسود الضعف والفشل وغياب الرؤية في كل من قطاعي التربية والتعليم والإعلام رغم
.تعدد محاولات الإصلاح السطحي

فسح الإهمال الرسمي الباب بمصراعيه أمام جميع أنواع الاستلاب الثقافي وعمليات غسل الدماغ، فصار المواطن العربي لقمة سائغة في متناول أجندة القوى الإقليمية الكبرى أو
.الجماعات المتطرفة  التي أجهزت على حسه الوطني وحولت حقيقة انتمائه إلى مجرد انتماء بيولوجي حيث الجسد في واد والاهتمامات والقلق في واد آخر

تتطلب مواجهة الامبريالية الاستعمارية والمخططات الصهيونية و الإقليمية مستوى إدراك عال لأنها تعبر عن أطماع تسخر كل ما هو متاح و تنطلق من العمق لفرض الهيمنة وقلب الحقائق و نشر التضليل و التوهيم وفرض سياسة الأمر الواقع

اختارت جل التجارب التنموية بناء مجتمع المعرفة كخيار وحيد لتحقيق النهوض والإقلاع وإبراز الذات وصون كرامة وعزة المواطن إلا أن أنظمة الدول العربية أبدت رأيا آخر قد لا نستوعب الحكمة من ورائه ولا قدرتها على التبصر!

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *