The Greedy Wife
October 7, 2019
BE CRAZY ABOUT SOMEBODY / SOMETHING & GO CRAZY
October 10, 2019

الفكر الداعشي أبدي إلى أن تزول محفزاته

من الصعب تجاوز الصدمة النفسية التي أحدثها ظهور ما سمي بتنظيم داعش وما خلفته من دمار مادي ورواسب معنوية في الذاكرة العربية زادت من تمزق النسيج العربي وبرهنت عن تجذر مسلسل الانحطاط والأزمات. لكن، هل كانت الظاهرة آنية ومرحلية؟ وهل حقا ترتبط بخصوصية محلية معينة؟

الداعشية ملازمة لجميع الديانات

عند الإقدام على القيام بحفريات في أحداث تاريخية قديمة نجد أن الظاهرة ضاربة في القدم تأخذ تسميات مختلفة ومتعددة ولا ترتبط بديانة معينة وتقترن بصراع مذاهب ولا تتقيد بالزمان والمكان، بل وجدت في ديانات مختلفة وحقب متباينة غير أنها تشترك في عوامل انبعاثها. معظمنا سبق له أن سمع أو قرأ عما اقترفه دعاة الوثنية في حق المسيحيين، أو ما
….قام به رجال الكنيسة في حق العلماء والفلاسفة إبان محاكم التفتيش، أو عن فظاعة الحروب بين الكاثوليك والبروتستانت، أو ما ارتكبه الصهاينة من جرائم في حق الفلسطينيين
.الداعشية إذن ليست ملازمة لديانة واحدة بل للنزعات الهمجية للنفس البشرية

ترتبط الداعشية  بفكر منحرف أكثر منه بتنظيم

عندما تنطفئ شمعة التنوير يسود التعصب والجهل والهيجان ويبرر العنف اللاهوتي.  من النافل القول أن تهم الهرطقة والزندقة والخوارج تطفو إلى السطح عندما يقع الصدام بين الفكر المحافظ المتخشب والفكر التنويري الإصلاحي وامتناع الأول عن الحوار والمناظرة لافتقاده القدرة على الاجتهاد واستناده على تغييب العقل واستمالة قاعدة جماهيرية غارقة في براثن
.الجهل والظلامية ومستغنية عن كل ما يقلق رصيدها الفكري. التعصب يصيب الأديان في حقب الجهل والقلق وبروز ظاهرة الارتداد والتأخر

يقوم فكر منحرف معين للدين ويبني ثوابته من خلال انتقاء نصوص و تأويلات معينة  من الرأسمال الديني تفي بالغرض وتشجع على التماس الأساليب الهمجية العنيفة بإلغاء معطى التاريخية وإقصاء مبادئ التسامح والتقارب والترغيب وتعويضها بالتشدد والترهيب. لذلك فليس مستغربا أن تظهر محاكم التفتيش  في حقب و أمصار مختلفة مع اختلاف الأسماء
.والأشكال المستعارة لكنها تحتفظ بنفس الوظيفة: فرض الرقابة والوصاية

الدين والسلطة

تقتات الداعشية من العلاقة الجدلية بين رجال السلطة وما يسمى برجال الدين إذ تخدم الجانبين وفقا لرزمة مصالح ظرفية معينة وغالبا ما تسود عندما تفلس البدائل والحلول للأزمات
.الاقتصادية والاجتماعية الداخلية. لذلك فالصراع في العمق ليس بالأساس دينيا بل هو أبعد من ذلك إذ يقترن بكراسي الحكم والغنائم وحتى المصالح الإستراتيجية

العوامل المحفزة

من المؤكد أن النزعة الداعشية لا تنبعث من فراغ بل لها محفزات مثل الخلايا السرطانية تنشط لتمزيق المناعة الذاتية كلما تم إحياؤها وتنشيط عملية اشتغالها بعد تهيئة الأرضية
.المناسبة لذلك

العامل الغرائزي

يستغل الفكر الداعشي النزعة الغرائزية الداعشية عند الفرد خصوصا عند عجزه عن إشباع  حاجاته الفسيولوجية الأولية (الأكل والشرب والجنس) وخضوعه لتأثير طموح السيطرة على الغير،  فيعود إلى حالته الهمجية البيولوجية والنفسية الأولى الداعية إلى العنف والتمرد على النظام والتقنين، فتكبح بذلك عمل النزعات الروحية الداعية إلى الترفع عن كل ما هو
.مادي والسيطرة على نزوات النفس و التماس سبل المعرفة والإبداع والرقي

 حقيقة يتسم الصراع الداخلي بين النزوع إلى إشباع الغرائز المادية والفوضوية والخضوع إلى النزعات الروحية بصعوبة التدبير والضبط ويبدي مخرجات تؤثر بقوة على السلوك
.الفردي واهتماماته ، إذ أنه بكبح الغرائز المادية يتحقق السلم وبإطلاق العنان لها ينتشر العنف وتسود الأنانية والهمجية

قد يتحقق الإدراك بحقيقة هذا الصراع لكن هل يتحول هذا الإدراك إلى أداء عملي إيجابي ينأى بالشخص عن الانحراف والانحطاط؟  كيف يمكن التحكم في مكبوت نزعات العقل الباطن والمشاعر الدفينة ؟

العامل النفسي

ما أغنانا عن الحاجة إلى القول أن الفرد يتحول إلى قطعة لينة سهلة التشكيل عندما يهتز توازنه النفسي، لذلك فمن الطبيعي أن يتوغل الفكر الداعشي مع شيوع اليأس و التدمر وانسداد الأفق خصوصا عندما تغدو معاناة الفرد في مضامين اللامفكر فيه عند الدولة وتنعدم مؤسسات المجتمع المدني الحقيقية القادرة على امتصاص غضبه وسخطه من خلال الاستماع له
.ومسايرة همومه وإرشاده. في هذه الحالة يترصد به من يبحث عن الاستثمار في يأسه وتوظيف ذخيرته وتجنيده و توهيمه بالأفق الذي افتقده في وطنه الطبيعي

فشل الدولة المستمر

على المستوى الجماعي، تنتشر الأفكار الداعشية المتولدة عن تصورات  خاطئة عن الدين تتسم بالحدة والميل عن الاعتدال بفعل تغييب العقل وتتبنى التضليل والعنف والفوضى كأدوات لبسط سيطرتها على الجميع.

كما هو معلوم لدى الجميع أدى فشل منظومة التعليم في وظائف تنوير الفرد وتهيئته لمجابهة الأزمات وتمكينه من بناء إدراك سليم واكتساب حس نقدي إلى تقديمه قربانا لعمليات الاستلاب الفكري وغسل الدماغ  والتجنيد من طرف جماعات الفكر الإرهابي الإجرامي. لذلك فعندما تختار الدولة الجهل كوسيلة لضمان استقرارها واستدامة امتيازات نخب معدودة وتصر على تهميش كل ما هو ثقافي وتعمل على تغييب الوعي المحلي بإقصاء رواده فهي حينئذ  تزرع بؤر اختراق داخلية وتؤسس لهدم بنيانها من الداخل. كما أن تقصيرها في
.توظيف طاقات الشباب وتقنين أدائهم وطموحاتهم فيما يخدم الصالح العام والمصلحة الشخصية يدفع بهم إلى البحث عن البديل حيث يجدون الذات والاستقرار والتحفيز 

من جهة أخرى يتم اختطاف الرأسمال الديني من طرف الجماعات الإرهابية المتطرفة عندما تتخلى الدولة عن وظيفتها المفصلية في تدبيره وحمايته من الاستغلال والمتاجرة خصوصا
.عندما تتكتم عن الخوض أو مناقشة مواضيع حساسة من قبيل الجهاد، الجنس والسياسة فيتم تبني تصورات خاطئة ومنحرفة تنذر بتفشي سلوكيات عنيفة إجرامية 

الظلم والفساد

شموليا، كل العوامل المحفزة تنشط وتشتغل في بيئة يسودها  الظلم و اللاعدالة الاجتماعية والاحتكار السياسي والاقتصادي وغياب المؤسسات وتفاقم الفوارق الاجتماعية وتفشي الريع
.وعدم تكافؤ الفرص والتضييق على الحريات العامة ونشاط النعرات الطائفية والعصبية والمذهبية وغياب رؤية بعيدة النظر تمنح الأفق والأمل للجميع

العامل الخارجي

معظمنا يؤمن بدور العامل الخارجي في قيام الحركات الدينية المتطرفة المتبنية للفكر الداعشي من خلال الاستفادة من عمليات  التأطير و التمويل لأغراض سياسية صرفة، لكن هل يمكن الحديث عن المؤامرات والدسائس الخارجية دون التركيز عن تمزق اللحمة الداخلية؟
كلنا نتذكر كيف أنه بين عشية وضحاها قام كيان غريب يسمي نفسه بدولة داعش. كيف ولجت تلك الوفود وبسهولة  المنطقة ومن عبد لها الطريق؟ من دعمها بالسلاح والعتاد؟ من أقام لها معسكرات التدريب والتأهيل؟

الحلول 

من الصعب تقديم حلول جاهزة لظاهرة مركبة ومعقدة التفكيك، لكنها تواجه بسياسات وقائية تستهدف عمق المعالجة وتتطلب نفسا طويلا وعملا مضنيا متواصلا من خلال تثبيت مؤسسات الدولة وممارسة حقوق الأفراد وسيادة القانون وصون كرامة المواطن والاستثمار في تعليم وتنوير العامة واستثمار النزعة الصوفية لديهم من أجل  الإبداع والإسهام في بناء
.الوطن والحفاظ على وحدته 

.بخلاصة، المواطن مادة خام إما أن يستثمرها صناع القرار في بناء الدولة وإما تُستلب وتُستثمر في هدمها

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *