Be under control & Be beyond control
September 4, 2019
With open arms
September 6, 2019

عن الحاجة الملحة إلى إنزال الفلسفة إلى الشارع

من المؤكد أنه مع تواتر الأخبار وتسارع الأحداث أضحى الغموض سيد الموقف بامتياز، إذ تتقاطر علينا الأخبار من كل حدب وصوب و تتداخل في ثناياها المفاهيم والتصورات ولا نبدي إلا العجز في استيعاب ما يحدث وبذلك يسود التيه والخبل وقصور الفهم. وما يزيد المسألة تعقيدا هو هيمنة الثقافة الشعبية على نظيرتها العالمة، وتوغل سلطة الأوهام والأساطير واليقينيات وثقل المخيال الاجتماعي ، فكيف اذن للمواطن العربي البسيط أن يدرك ماهية مايقع حوله من أحداث و أن ينجو بنفسه إلى بر الوضوح والطمانينة؟ كيف له أن يكون حرا ويتطلع إلى نمط عيش سليم نابع عن قناعات ذاتية ومستقل نسبيا عن جميع السلط الخارجية؟ كيف له أن يوظف طموحاته الشخصية في بناء مستقبل ناجح رغم حدوث الانكسارات والكبوات؟ كيف له أن يتعرف على عدوه الحقيقي ويمتلك ناصية إدراكه بيده؟

تبدأ الرحلة من أنساق التفكير وكيفية بنائها وقوة ممانعة سلط خارجية من قبيل الإعلام و التربية النظامية، لكن هل العملية ممكنة الإنجاز عندما يكون المواطن العادي موضوعا لها؟

اذا كان الهذف هو بناء مجتمع معرفة حيث ثقافته هي العلم و المعرفة فالأمر يبدو ممكنا بانخراط وتكامل مجموعة من العناصر بغظ النظر عن نوعية التربية النظامية المتبعة وأهمها هو إنزال الفلسفة إلى الشارع وانخراط المثقف العربي فعليا في هموم بني جلدته

قد يبدو الأمر ترفا ثقافبا طوباويا خصوصا إذا أخذنا في الحسبان وقع ذكر كلمة فلسفة على نفسية المواطن العادي. فهي تهتم بالمجرد لا المحسوس وتسبب الأرق وألم الرأس بسبب المجهود الذهني الذي تتطلبه. يجب إذن العمل على تحويل هذا الانطباع السلبي الى تحفيز إيجابي وجعل اللامفكر فيه مجال اشتغال المفكر فيه لدى العامة، بعبارة أخرى يجب تقليص
.الفجوة بين النخبة المثقفة والعامة من الناس لأن لب الصراع يستهدف عملية الإدراك (النواة الصلبة) للمعطى الثقافي

.بادئ ذي بدء يجب الإقدام على تفكيك تجليات بعض عناصر الواقع الذي نعيشه والذي يحتضن عددا لا متناهيا من التناقضات الداخلية التي لا تبشر إلا بالأسوأ

نميل إلى الإعتقاد بأن ذهنية العامة من الناس تتميز بالسلبية والعدمية والانهزامية لأسباب يعرفها أولو الألباب، كما أنه هناك نوعا من الارتباك في استعمال المفاهيم وبناء التصورات، لذلك يسود غموض الرؤية وعجز عن تدبر معظم التساؤلات بفعل افتقاد الفكر النقدي العقلاني و مقومات الإبداع. لذلك حدث نوع من الانفصام التام بين الواقع والطموحات، بين كل ما هو مثالي وكل ماهو واقعي وبين الحاضر ومتطلبات المستقبل. ليس غريبا أن يتغلغل التطرف والعنف والفكر الظلامي في بيئة يتسيدها الجهل والخوف والإحساس بالضياع والقلق من
.المستقبل

كيف للذات أن تتمكن من بناء توازن يضمن لها الاستقلالية ويدفع بها نحو الإنتاج والخلق؟

من النافل القول أن جل تجارب الإقلاع والتنمية تجد ملاذها في التربية، في عملية بناء الإنسان، في تهيئته للمستقبل، في تلقينه كيفية إعمال العقل لإيجاد الحلول والنجاة من عتمة
.الغموض والضياع في براثن الجهل، ويبدو أن الحقل العلمي الأقرب لتمكينه من ذلك هو التفكير الفلسفي خصوصا وأننا نعلم أنه يلقن للأطفال قي العالم المتقدم منذ سن مبكرة

لماذا؟
:من بين أهم حسنات الاهتمام بالفلسفة نذكر
تطوير أنماط تفكير ذاتية
الابتعاد عن الجزم السريع بالأشياء وتبني نسبية الحقائق والتريث في إصدار الآراء والأحكام
تمحيص كل ما يستقبل من معلومات وأخبار والتحقق من المصادر
بناء شخصية مستقلة منتجة
اكتساب حس نقدي بناء
كسر قيود النمطية والتواكل
التمكن من ممارسة أدبيات الحوار البناء
.رفض الاستبداد بمختلف أنواعه

تقع مسؤولية إنزال الفلسفة إلى الشارع على كاهل الإرادة السياسية التي تمتلك الأدوات المادية لإنجاز ذلك وتتقاسمها مع النخبة المثقفة المسؤولة عن نشر الفكر التنويري بين الناس
.و تأطيرهم من خلال الإنخراط في هموم المجتمع وعدم الإنعزال عنه ومقاومة محاولات العزل التي تستهدف المثقف

قد نتفهم نفور العامة من الفلسفة لما تسببه من أرق وتستوجب من مجهود ذهني و تكتسيه من طابع ثوري صادم، لكننا مع ذلك نتوق إلى رؤية الفلسفة كثقافة الأكثر ذيوعا ورواجا لدى
.السواد الأعظم من الشعب ليصير العلم والمعرفة تجليات اجتماعية في نسيجنا الداخلي وحماية للحمته من الاختراق
.نعيش على الأمل ونرقى به

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *