في صلب التجربة التنموية لدولة رواندا: دروس وعبر
June 13, 2019
A friendly chit-chat
June 24, 2019

ما تمتلكه الدبلوماسية الإيرانية ويفتقده العرب

تظل إيران فاعلا أساسيا في منطقة الشرق الأوسط ويتميز حضورها باستمرار الحركية والتكيف مع سرعة التغيرات التي تحدث بالعالم والمنطقة العربية على وجه التحديد. منذ اندلاع ما عرف بالثورة الإسلامية وسقوط حكم الشاه تغيرت إستراتيجية الدولة الفارسية وأصبحت دبلوماسيتها تعرف بالمشاكسة والمراوغة والإصرار على شرعية طموح الانتقال من دور المفعول به إلى دور الفاعل.هذا التوجه لم يأتي من عدم، إذ هناك تقاليد عريقة تميز الدبلوماسية الفارسية عن غيرها من دول المنطقة العربية وتجد جذور اختلافها في عوامل تاريخية
.وعميقة مرتبطة بحضارة عريقة تزيد عن ثلاثة آلاف سنة
كيف يمكن إذن مقاربة مكامن قوة الدبلوماسية الإيرانية؟
بادئ ذي بدء، تشتغل الدبلوماسية الإيرانية وفق رؤية مستقبلية محددة تمت ترجمتها على أرض الواقع من خلال الخطة الخمسينية التي تهدف من خلالها الدولة الفارسية إلى قيادة العالم الإسلامي وجعل إيران مرجعا للإسلام الحقيقي بالهام من نظرية أم القرى. أصبحت الخطة معروفة لدى الجميع وآليات اشتغالها ملموسة وواضحة للعيان. كما أنه هناك تعبئة شاملة لخدمة المشروع وكل مسؤول يقوم بمهمته ويرحل. المشروع يعلو ولا يعلى عليه، لذلك ترصد جميع الإمكانيات المادية و اللوجيستسكية سواء أيام الرخاء أو أيام الأزمة
.الاقتصادية
.تمتلك إذن إيران مشروعا مستقبليا ينافس المشاريع الكبرى بالمنطقة ولها كل الحق والشرعية في ذلك بغض النظر عن طبيعة وأهداف مشروعها الوطني
من الناحية النفسية والذهنية، تعاني النفسية الفارسية عقدة السنوات الخوالد المفقودة للإمبراطورية الفارسية وتعيش على هوس إحيائها واستعادة كبريائها المغتصب. هذا الاتجاه وضع إيران في عزلة عن باقي دول المنطقة التي تشكك في نواياها وتلزم الحذر من تحركاتها ولا تشاركها نفس الثقافة، لذلك من الطبيعي أن تظل إيران متقوقعة على نفسها مطوقة من كل جانب، لا تحس بالأمان وتتعايش مع الارتياب وتتبع نهج التمدد والتوسع كآلية في الحفاظ على أمنها القومي وحق الدفاع عن النفس وهويتها الفارسية. ليس غريبا ان يتسم سلوك
.وأداء الدبلوماسية الإيرانية بالهجوم والاندفاع ومحاولة بسط السيطرة إذا كانت الحالة النفسية والوعي السياسي تحت سيطرة الخوف والشك وميولات الطموح
تمكنت الدبلوماسية الإيرانية من اكتساب وتطوير ملكات نفتقدها نحن العرب ونعاني مآسي الويلات جراء ذلك. إذ يتميز الأداء الدبلوماسي الفارسي بالتريث وطول النفس في صناعة القرار والتفاوض مع العالم الخارجي. هناك قدرة على ضبط النفس واستفزاز الآخر والاستعداد لإبداء الانفتاح وإضمار التوجس في نفس الوقت وتدبير الأزمات والعقوبات الدولية بكل
.رزانة ودهاء. غالبا ما يركز المفاوض الإيراني على مسألة ربح الوقت والظفر بما أمكن من المكاسب ولو طال أمد ذلك على مراحل (الملف النووي الإيراني خير مثال على ذلك)
.بالمقابل نعاني في المنطقة العربية من خيبات القرارات الآنيــــة و الارتجالية وغياب بعد النظر والتبصر والعقلانية
فيما يخص التفاوض، يتفوق المفاوض الإيراني على غيره ويمارس التفاوض كفن يبرز من خلاله موهبته وقدرته على نيل المكاسب وخدمة المصالح الوطنية. فهو ينهج خيار اتفاقيات
.رابح رابح ولا ينحو إلى الاصطدام المباشر أو المقاطعة. يلتزم العقلانية ويتجرد من تأثير العقائد والعواطف لتظل السياسة عنده كمجال خالص لخدمة المصالح الوطنية
من الناحية الدينية، تستثمر الدبلوماسية الفارسية الرأسمال الديني للتكتل وحشد الهمم والاستمالة والتوسع، بينما يتموقع عندنا ضمن محفزات اندلاع النزاعات ونشوء الشقاق والتفرقة
.بين الدول العربية والإسلامية
تتقوقع الدول العربية في شكل شظايا متطايرة في ظل وجود وتوغل مشاريع إستراتيجية و تيارات جارفة تأتي على الأخضر واليابس ولا تقيم للقيم والأعراف الإنسانية وقارا. لن نطرح السؤال الكلاسيكي المعهود: متى نستفيق أو ننهض؟ بل سنقول بكل واقعية ومرارة متى سنختفي ونندثر مادامت أسباب وجودنا قد اضمحلت منذ زمان بعيد؟

تم نشر المقالة على صحيفة رأي اليوم بتاريخ 17 يونيو 2019 أنقر

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *