نحو مقاربة واقعية لذكرى النكبة
May 27, 2019
The illusion of certainties
May 31, 2019

ما يستنبط من عبر من استقالة تيريزا ماي

كما كان متوقعا انسحبت السيدة تيريزا ماي من تحدي تمرير اتفاق البريكست وأعلنت استقالتها من ريادة حزب المحافظين ورئاسة الحكومة البريطانية. اعترفت بالفشل في التوصل إلى توافق حول صيغة خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوربي رغم تقديمها ثلاثة اقتراحات قوبلت جميعها بالرفض، وربما لم تجد الصدر الرحب والعقلانية المطلوبة أمام طوباوية
.وعجرفة أعضاء البرلمان البريطاني في فترة حرجة تمر بها البلاد
حقيقة من الصعب إرضاء الشعب البريطاني لأن سقف مطالبه مرتفع وتتمحور تطلعاته حول استدامة نمط عيش معين ومتميز عن الآخرين ولا تنحصر طموحاته فقط في الشغل والسكن. الخصوصية الثقافية عند الانجليز ترقى إلى مرتبة المحدد المفصلي في الرؤية المستقبلية أكثر منه من المحددين الاقتصادي والاجتماعي، إذ يشتغل العقل الانجليزي وفق حمولة تاريخية طويلة وارث ثقافي متجذر في الوعي الجماعي ونفسية مركبة صعبة الفهم والتفكيك تتميز بالأنفة والكبرياء، الثقة في النفس، الحق التاريخي في الريادة، والتميز عن الآخر وعدم
.الانصياع له… كل هذا يتضح من خلال قرار الإنجليز الانفصال عن التكتل الأوروبي والانكباب على بناء وترميم شخصيتهم وكيانهم الذاتي والانطلاق من جديد والتوسع
:يمكن استنباط عبر متعددة وعميقة من استقالة رئيسة الحكومة البريطانية، نركز منها على ما يلي
:أبدت السيدة تيريزا ماي الشجاعة عند استلامها لمسؤولية قيادة الحكومة والإشراف على عملية الطلاق عن أوربا خلفا لديفيد كامرون في يوليوز 2016 وأبدت نفس الشجاعة عند الانسحاب دون الاحتكام إلى غرائز التعدد بالنفس والأنانية والتعنت
تمكنت السيدة تيريزا ماي من تحقيق بعض الانجازات رغم قصر المدة التي قضتها في رئاسة الحكومة إذ تم التخلص تقريبا من العجز في الميزانية، تخفيض قيمة الدين الداخلي، وضع حد لسياسة التقشف والانفتاح على مطالب الشباب من خلال التركيز على خلق مناصب الشغل وتوفير السكن رغم الظروف الصعبة التي يمر بها الاقتصاد البريطاني، مما يبرهن على
.وجود إرادة سياسية وعزيمة ورباطة الجأش للخروج بالبلد من الأزمة وبأقل الأضرار
.إبداء الاحترام التام للمؤسسات والاختصاصات ولا مجال للارتجال والقرارات الآنية التزاما لرغبة الشعب الذي يقرر مصيره بيده ودون وصاية
.عدم تمريغ الايدولوجيا أو العقائد في السياسة لدغدغة عواطف الشعب والتحايل على مطامحه، بل تبقى مصالح البلد ومواطنيه هي المحرك الأساسي للنشاط السياسي
الاعتراف بما قدمه الأسلاف والالتزام بضرورة مواصلة المشوار، مما يدل على الانخراط المستمر في مشاريع العمل السياسي رغم تعاقب الأشخاص. تحظى المشاريع والمخططات
.والمصلحة الوطنية بالأولوية القصوى ولا يحظى الأشخاص بالتقديس
غادرت السيدة تيريزا ماي المنصب بالدموع واعترفت بالفشل رغم المحاولات المتكررة واحترمت إرادة الشعب،وقد يجسد الحدث مثالا للسياسي الذي يجد عقيدته في خدمة شعبه
.وعندما يستشعر الرفض أو السخط ينسحب بأدب وكرامة
.الإيمان الفعلي بالتغيير لضخ الحيوية ومحاولة فتح الآفاق عند انسدادها

تم نشر المقالة على صحيفة رأي اليوم بتاريخ 27 مايو 2019 أنقر

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *