الأمن الاجتماعي بين الوهم والحقيقة
April 5, 2019
عن مغزى الغارات الاسرائيلية على سوريا
April 5, 2019

محاولة فهم أبعاد الاحتجاجات الشعبية في الشوارع الفرنسية

من المؤكد أن الظروف الملائمة لانبعاث الاحتجاجات في شوارع باريس قد توفرت وعجلت بخروج الناس إلى الشوارع للتعبير عن سخطها وغضبها. كل محاولة قراءة آنية للحدث تبقى عقيمة وسطحية في غياب فهم تسلسل تاريخية الأحداث أو التسرع في الجزم في الأشياء
مما لاشك فيه أن الزيادات الضريبية شكلت فتيل اندلاع الاحتجاجات وأجبرت شريحة من المجتمع الفرنسي على النزول إلى الشارع للتنديد بالسياسة الحكومية وحتى المطالبة بإزاحة الرئاسة، غير أن بعض الأحداث التي وقعت كانت مفاجئة خصوصا عند رؤية بعض أعمال الشغب المشينة في بلد يصنف في فلك مجتمعات ما بعد الحضارة ويعد مهد فلسفة الأنوار وثورة القيم الإنسانية الحضارية
يمكن مقاربة الأحداث كتجليات لحقائق تطبع المجتمع الفرنسي و تتقاسمها دول مجاورة مما يعجل بانتقال رياح الاحتجاجات إلى دول الجوار التي تتميز بنفس الخصوصية الثقافية والرأسمال التاريخي. نركز على ما يلي
معظم الإصلاحات المقدمة من طرف البرنامج الحكومي تمس القدرة الشرائية للطبقة الوسطى وقرينتها الفقيرة فيما تخدم أصحاب الامتيازات من أصحاب رؤوس الأموال التي تبدو مؤثرة في صناعة القرار. في الواقع الطبقة المتوسطة لم تعد تحتمل تقديم المزيد من التضحيات ووضعها الاجتماعي والاقتصادي يزداد ترديا في ظل المعاناة من غلاء المعيشة. كما أنها لا تكترث بالخطط البيئية وإنما بخطط لها مخرجات ملموسة وعاجلة
الشعبوية توصل إلى الحكم لكنها لا تقدم الحلول للأزمات القائمة. إذ أن تأثير الخطاب الشعبوي يكون فعالا في استمالة ودغدغة مشاعر العامة لكن تأثيره سرعان ما يتلاشى مع هول الأزمات وسطحية وهشاشة برامجه؛
يبدو أن مجريات الأمور تسير وفقا لتخطيط لوبيات ضغط تتحكم في الاقتصاد الوطني وفي مصير رقاب الناس عوض الحكومة الغير قادرة على حماية العامة، لذلك فهي تبدو غير مهتمة بمعاناتهم وتتهم بالتكبر واللامبالاة؛
يظل النسيج الاجتماعي هشا وقابلا للتمزق رغم قوة المؤسسات وتاريخها الطويل وسلطة القانون والعدالة؛
يعتمد الاقتصاد الفرنسي بشدة على موارد مستعمراته القديمة ويركز على تصريف منتجاته المحلية إلى أسواقها، غير أن التغيرات الإستراتيجية التي يعرفها العالم وبروز قوى عظمى أصبحت تهدد المصالح الفرنسية وتنتزع منها مناطق كانت في الماضي القريب تحت سيطرتها، فالصين مثلا اكتسحت نصف أسواق القارة الإفريقية
من هنا نفهم تركيز الرئيس ماكرون منذ وصوله إلى كرسي الرئاسة على تثبيت عملية نشر اللغة الفرنسية وإحياء خطاب الفرنكفونية. واقعيا تظل اللغة أداة سياسية للغزو الثقافي وتكريس تبعية المستعمرات ونهب خيراتها، إذ أن نمط عيش المواطن الفرنسي يقوم بشكل غير مباشر على استدامة استغلال الدول المستضعفة من المستعمرات الأفريقية؛
الرأسمالية تعلو فوق الجميع والمظاهرات تبدو شكلا من أشكال التمرد والرفض لسيطرة الرأسمالي على الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي. لا تعترف الرأسمالية بالإنسان ككائن بشري بل هو بمثابة كائن اقتصادي يوظف في عملية الإنتاج والاستهلاك تستغل نزعاته وغرائزه الحيوانية في تسريع الدورة الاقتصادية وفتح آفاق توسع اشتغال المد الرأسمالي الذي لا يبالي بمشاعره أو قيمه الإنسانية النبيلة. لذلك فالغني يزداد غنى ويعلو شأنا فيما الفقير يهوي في غيابات الفقر والمكابدة
بنظرة شمولية تعبر الاحتجاجات الفرنسية عن مخاوف الناس في كل بقاع العالم من المستقبل المجهول والغموض الذي يكتنفه العنف والأنانية وجبروت الشرعنة وقانون البقاء للأقوى

تم نشر المقالة على صحيفة رأي اليوم بتاريخ 30 نوفمبر 2018 أنقر

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *