عن ظاهرة تدفق المهاجرين الأفارقة على الحدود الأوربية
April 5, 2019
إعدام الرئيس صدام حسين هو إعدام لطموح الشعوب في التحرر والتنمية
April 5, 2019

في غمار عملية تقديس الأشخاص في العالم العربي

يتميز الواقع العربي بمنحى ربما غير مسبوق إلى تقديس الأشخاص وتمجيدهم والتهليل لشخصهم المتفرد بالبركة والحكمة في ظل غياب تام للمؤسسات أو ثقافة المجتمع المدني مقابل تسيد فكر الزاوية والقبيلة

تتخلل وعينا العربي تلك الصورة المرتبطة بذلك الشخص الذي تقوم كل هياكل المجموعة على أهوائه ونزواته. فهو المنظر الذي يعي خبايا كل الأمور، يحتكر الحكمة والبصيرة كلامه لا يناقش وأمره غير مردود، يقرر للمستقبل تبعا لنبوءته التي لا تخطئ وينزه عن الحساب أو حتى النقد

هناك مظاهر عدة لهذا الواقع المتجذر في ثقافة الدول العربية، نلحظه في البنيات الاجتماعية، والاقتصادية والسياسية. يجسده شخص الأب في الأسرة، الشيخ في الزاوية، الأمين العام في الحزب السياسي، صاحب الشركة، المرشد العام في جماعات الإسلام السياسي، رئيس الدولة والمحتكر لجميع الصلاحيات ورئيس أركان القوات المسلحة والزعيم في الثورات والانتفاضات

هذه النزعة القاتلة تكرس للعبودية والاحتكار وتختزل كل المقومات والمؤهلات البشرية للمجموعة في نزوات شخص بعينه. الكل يعمل ويكد ويحيى في كنف رحمته. فسيادته يتكفل بتشريع القوانين بمعية بنيات مؤسساتية معطلة سلفا ويحرص على تنفيذها وتعديلها، يتحكم في منابع خلق الثورات ويحدد كيفية توزيعها، تعطل وتسفه جميع الآراء والاجتهادات ولا صوت يعلو على صوته. وجود المجموعة رهين بوجوده وفي هلاكه هلاكها

تكرس وتثبت هذه النزعة من خلال بنيات ثقافية قديمة وجامدة تقاوم كل عملية تنوير وتجديد لسد الطريق على إحداث القطيعة مع المعتاد السائد مقابل تقديس مبادئ الطاعة والخنوع وزرع القابلية لدى العامة لتقبل السلطوية. كما هناك تأويلات فقهية تبجل للحاكم وتبالغ في مبدأ السمع والطاعة له من قبل الرعية، وتواجه كل تمرد يستفز ركائز وجودها واستدامتها بالاستقطاب أو التسفيه أو الطرد من المجموعة إذا اقتضى الحال

خلق الله البشر واجتبى منهم الرسل والأنبياء وهم أنقى الناس واصفاهم ومع ذلك لم ينالهم التقديس وإنما التوقير والاحترام. إذ التقديس يتعارض تماما مع الاحترام، الأول يفرضه الشخص على الآخرين بينما الثاني يكتسبه ويناله من طرف الآخرين تقديرا وإعجابا بسلوكه وخصال مكارم أخلاقه

نعرف الدول المتقدمة بأسمائها ولا نتذكر هوية زعمائها رغم أدائهم المثالي .فعدد ولاياتهم في الحكم تبقى محددة ومقيدة بضوابط تقنن خدمة الصالح العام. الوعي الجماعي يلغي النزعات الفردية من خلال احتوائها وتطويعها لخدمة الجميع

لم ينتج المخيال الاجتماعي للدول العربية إلا مجتمعا ذكوريا قبليا جامدا يسوده الفساد والاستئثار بالسلطة والريع والنعرة والتناصر، مجتمعا يكابد تحت وطأة القرارات المزاجية الآنية والتي تكرس للأزمات والأوبئة المزمنة

تم نشر المقالة على موقع أنفاس بريس بتاريخ 12 أكتوبر 2017 في غمار عملية تقديس الأشخاص في العالم العربي

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *