إعدام الرئيس صدام حسين هو إعدام لطموح الشعوب في التحرر والتنمية
April 5, 2019
محاولة فهم أبعاد الاحتجاجات الشعبية في الشوارع الفرنسية
April 5, 2019

الأمن الاجتماعي بين الوهم والحقيقة

كلما تردد على مسامعنا مصطلح الأمن إلا وتبادر إلى الذهن خطر خارجي يهدد كيان المجموعة ويستهدف تماسكها. قد يكون استعمارا مباشرا أو غير مباشر أو حصارا على شكل عقوبات تفرضها دول قوية. لكن ربما بمزيد من التمعن والتدبر يتضح أن الخطر الداخلي هو أخطر حدة وفتكا من الخارجي إن لم يكن الأول هو الممهد لتوغل الثاني
يرتكز الدفاع عن الأمن الداخلي على وعي ويقظة المواطن واستيعابه لحساسية المسؤولية المعنوية والمادية الواجب تحملها من خلال قناعات شخصية تنبعث من الذات. المواطن هو المدافع الأول عن تماسك النسيج الاجتماعي وعن مصالح بلده من خلال الانخراط الفعال والهادف في الحياة اليومية وليس بتبني المواقف السلبية القاتلة، إذ أن كل حركة تغيير تطال المجتمع تتطلب قوة دفع داخلية محفزة تنبعث من الإيمان بالقضية ومصلحة البلد. فهل يمتلك المواطن العربي ذلك الإيمان وهل يمثل حقا قوة دفع نحو التغيير؟
تهدد الأمن الداخلي مخاوف تحولت إلى مخاطر بعد الفشل أو التقصير في معالجتها. تهم مفاصل الأمن الاجتماعي والاقتصادي والثقافي. مما لا شك فيه أن إفلاس النظام التعليمي بالدول العربية أدى إلى إنتاج مواطنين منسلخين عن الوطن، مواطنين سلبيين لا يهتمون بحال ولا مستقبل الوطن لفقدانهم حس الانتماء الحقيقي والفعلي للمجموعة و عدم اكتسابهم الوعي الضروري بهمومها . فحس الانتماء ينتابه الفتور والشك في ظل الإحساس بالتهميش والإقصاء جراء تفاقم التفاوت الاجتماعي و انفراد نخبة بعينها بالحكم وخيرات البلد. تمَّ تحقير المدرسة والمدرس وفصل التحصيل الدراسي والعلمي عن الأخلاق، فكانت النتيجة طوابير من الصعاليك سواء أكانت تشغل مكانة اجتماعية عليا حسب أعراف المظاهر وتستهتر بمصالح البلاد والعباد أو كانت تقضي وقتها في الشوارع تنشر الرعب والفوضى بين العامة في يم الضياع واليأس والانحراف التي تعيشه. فزحف بذلك الإجرام بمختلف فروعه وأصبح الأمن الاجتماعي في مهب الريح. النتيجة إذن حصيلة اجتماعية مفلسة ومخجلة: عدد السجناء والسجون في تزايد، ارتفاع مضطرد لمعدل الجريمة، تناسل عدد المتشردين والمتطرفين، شيوع التسول والارتزاق. هل الأمن الاجتماعي يتحقق في خضم هذه المعطيات؟
ينضاف إلى مآسي السياسات التعليمية رواسب السياسات الثقافية والإعلامية للحكومات المتعاقبة التي زرعت الجهل ورسخت الرداءة وأعدت التربة لغزو المبادئ الرأسمالية سواء بإدراك أو دون إدراك وإطلاق العنان للنزعات الإنسانية المدمرة من أنانية وفردانية ونفعية وشجع، فانقلبت الموازين عند الناس خصوصا اليافعين منهم وبهتت قيم التضامن والحس الجماعي والإيثار والوطنية
غني عن البيان التذكير بأن المعرفة والوصول إلى المعلومة والاستثمار في الموارد البشرية أركان تخلق الفرق بين الدول الغنية والدول الفقيرة. تتنافس الدول المتقدمة في مجال البحث العلمي وكيفية تدبير الوقت والكفاءات لتكريس الريادة بينما تنكب الحكومات العربية على استدامة احتكارها للمناصب واستفرادها بالقرار. هناك دائما تلك الفجوة بين المواطن والحاكم يسودها التوجس والحيطة والحذر. هاجس المؤامرة يسيطر على العلاقة بين الحاكم والمحكوم في الاتجاهين على حد سواء. فالمواطن يؤمن بوجود مؤامرة تحيكها النخبة الحاكمة لعدم تمكينه من مقومات الإدراك السليم و النهوض والتمرد، بينما تظن النخبة الحاكمة أن العموم يبدي لها الحقد و يتحين الفرصة للإطاحة بها والاقتصاص منها. يضيع بذلك حس الانتماء ويغفل الجميع مصلحة البلد والهدف من الوجود فيتفكك نسيج النظام الداخلي وتفتقد الرؤية
الأمن الاجتماعي لا يتحقق بتبني أي نوع من المقاربات الأمنية أو بالدعاية الإعلامية لجلب السياح، بل باستئصال الخلايا الفتاكة من جهل وحرمان وظلم اجتماعي واعتبار المواطن بمثابة لبنة جدار الممانعة في وجه أي اختراق أو غزو

تم نشر المقالة على صحيفة رأي اليوم بتاريخ 19 شتنبر 2017 الأمن الاجتماعي بين الوهم والحقيقة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *