A wrong choice
March 28, 2019
L’anarchie linguistique
April 3, 2019

الرأسمالية واختطاف الأعياد

جميل أن نفرح بقدوم الأعياد والمناسبات ونشارك الناس بهجتهم مهما كان عرقهم أو انتماؤهم في ظل القيم البشرية النبيلة لتوطيد المحبة والسلام خصوصا في حقبة تاريخية تتميز بالتوتر والعنف والنزاعات وطغيان نزعات العدوانية والطمع والسيطرة

تحتفي الأعياد والمناسبات الدينية  بالجانب الروحي للإنسان وتسمو به إلى علياء  الفضيلة والترفع عن الماديات واللذة العابرة وتنتصر لفضائل الأخلاق والتضامن والتسامح، غير أنه منذ نهاية الألفية الثانية يلاحظ تنامي عملية تطويع وتوظيف تلك الأعياد لتحقيق مآرب غريبة عن ماهيتها ومتناقضة مع سبب وجودها

استطاعت الرأسمالية المتوحشة توظيف جميع الأيديولوجيات الفكرية والمخططات الاجتماعية والاقتصادية وحتى الخطابات الدينية  في تحقيق أطماعها وتكريس سيطرتها بفضل قدرتها على التكيف والتعامل مع كل ما يخالف فلسفتها ويقف أمام زحف تقدمها وتوسع مجال اشتغالها. اختطفت كل شيء سواء كان   ماديا أو معنويا وشكلت كل شيء في قالب منتوج قابل للعرض والطلب، فصار العالم بمثابة سوق لترويج سلعها وفق بورصة أعمال لتصريف جميع المعاملات

تستغل الرأسمالية قدوم الأعياد و المناسبات الدينية لتسريع حركية تسويق منتجاتها واستخلاص أرباحها. إذ تستبق تواريخ إحيائها وتجند السواد الأعظم من الناس وفق أجندة محددة سلفا تسلب منا حق  العفوية والتلقائية في اختيار طريقة الاحتفال، فتم بذلك  حصرها في معاملات مادية صرفة جعلت الإشباع المادي ذروة المتعة وأطاحت بالجانب الروحي الذي هو أصلا بمثابة النواة الصلبة في عملية إحياء المناسبات الدينية والشعبية. نُقبِل بتلقائية ودون إدراك على إبداء سلوك وضعه الفكر الرأسمالي المتوحش مسبقا ونستجيب طواعية لنواياه ومخططاته الشيطانية الجشعة، فينصهر الطابع الديني الروحي الإنساني الصرف داخل دواليب الآلة الرأسمالية الاقتصادية التي تنتج وتعمم نمطا واحدا ينتهجه الجميع ولا يزيغ عنه إلا هالك

نجحت الرأسمالية في التأقلم و التعاطي مع طقوس وعادات الاحتفال وقامت باختطافها، وجعلت لكل عيد نمطا استهلاكيا خاصا به حسب ميولات الناس لإشباع  غرائزهم الحيوانية إلى حد الإطاحة ببعض الأعراف وصناعة أعراف بديلة تنبثق من روح قيم السوق الحر التي لا تقيم للخصوصية وقارا. قد يخيل لنا أننا نتمتع بحق الاختيار وصناعة القرار غير أنه يظل وهما نعيشه في غمار عملية تنميط ممنهجة تقرر لنا حتى سقف طموحاتنا وبُعدَ أحلامنا

في وضع كهذا، من الطبيعي إذن أن نفقد حلاوة الاحتفال والابتهاج مع الأهل و الأحبة و نتوق لأيام الماضي القريب ونتأسف على منحى تغير الأحداث وقساوة الاستلاب الذي نئن تحت وطأته والذي لم يفرز إلا العنف والتوتر والضياع. نرجو أن يصبح قدوم الأعياد مناسبة لمساءلة الذات واستعادة الأمل وإعادة الاعتبار إلى كل ما هو روحي ومعنوي لاستعادة الخصوصية وتكريس قانون التعددية الذي لا تستمر الحياة إلا بقيامه

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *