Cultural alienation and loss of identity
April 25, 2018
THE ILLUSION OF POWER
May 10, 2018

عن واقع المقاربة الأمنية بالوطن العربي

مما لاشك فيه أن المقاربة الأمنية تطغى على الواقع العربي وتخترق جميع تجلياته وذلك منذ العهود الأولى للدول الإسلامية المتعاقبة. أينما توجهت إلا وحاصرتك قيودها المصفدة سواء في الاقتصاد، السياسة، الاجتماع، الإعلام، الثقافة وحتى الشأن الديني. فأضحت بذلك فلسفة حكم مبني على المقاربة الأمنية الاستباقية بتقوية قدرات أجهزة الأمن والاستخبارات والتركيز على المخرجات عوض المدخلات

تنبعث المقاربة الأمنية من رحم عوامل أو بالأحرى دوافع متداخلة متفاعلة تصعب عملية تفكيك عناصرها
قد يبدو أن العامل النفسي هو المنطلق بفعل اشتغال غرائز الخوف والهيمنة مما يتولد عنه حالة توجس وقلق من قيام ردود فعل غير مدروسة العواقب قد تتطور إلى انتفاضات أو ثورات قد تطيح بالحاكم وحاشيته. من الطبيعي إذن أن يسود الشعور الدائم بالقلق وانعدام الثقة وحسن النية وعدم الاطمئنان للأخر، فعلاقة الحاكم بالرعية تميزت خلال معظم فترات التاريخ العربي بالارتياب والحذر و المد والجزر

يتغذى العامل النفسي من طبيعة الحكم في المنطقة العربية وتخلف تطور نوعيته وتأخره عن الدول المتقدمة. فالحكم يتميز بتقديس الأشخاص والتهليل لقدراتهم المتعددة والخارقة. إذ أن الحاكم يحتكر كل السلط وينظر في جميع الاختصاصات ولا رأي يعلو على رأيه، لذلك تبقى صناعة القرارات الإستراتيجية آنية تتعامل مع اللحظة وتفتقد للتبصر ولا تخضع لدراسة مسبقة من طرف مؤسسات حكومية أخرى في ظل غياب رؤية مستقبلية تشاركية. فيظل القرار بذلك حكرا على نخب معينة تقنن لاحتكار الممارسة السياسية ومصادرة منابع الثروات الاقتصادية الطبيعية في ظل ريع يجعل الأبواب موصدة أمام انبعاث وظهور فاعلين اقتصاديين جدد

ينضاف عامل آخر يتعلق بالسيادة الوطنية المهددة باستمرار بفعل توغل قوى داخلية في عمق النسيج المحلي وإشراف المؤسسات الدولية على تطويق السياسات الحكومية و إثقال كاهلها بالقروض اللامنتهية، فيغدو واقع الأمن القومي هشا والقرار الوطني السيادي مستلبا خصوصا بالنسبة للأنظمة القائمة على اغتصاب السلطة من خلال انقلابات أفقدتها الشرعية

كل ما سبق ذكره من عوامل ودوافع يتفاعل ويتداخل في خضم بنية ثقافية معقدة التركبة والفهم. إذ بمجرد التمعن في مجال المفكر فيه عند المواطن العربي يتبين سلطة مخيال اجتماعي رهيب على سلطة الفكر، وانتصار العصبية القبلية وسلطة الوجدان على سلطة المواطنة الفعلية وسلطة العقلانية الأمر الذي يحول دون قيام دولة مؤسساتية تضمن الحقوق و قيم العدالة لجميع المواطنين وتبقى بذلك النزعة القبلية او الطائفية فتيلا قابل للاشتعال و التوظيف لدى القوى الامبريالية

من تجليات طغيان المقاربة الأمنية غياب الخلق والإبداع وشيوع النمطية والتقليد والرداءة وهشاشة واقع الأمن القومي وسهولة اختراق النسيج الداخلي المتآكل بفعل نشاط تناقضات عناصره الداخلية، ارتفاع وثيرة العنف والقمع والاحتجاجات، الاستئثار بالسلط وسيادة واقع الاحتكار والريع، وتوغل التبعية للقوى الخارجية وتعميقها لما هو أبعد

مع مسلسل البلقنة الذي يغزو جغرافية الوطن العربي و تزايد حدة مخاطر استهدافه ثقافيا تحت تأثير الضربات الممنهجة لتقويض هويته ، يبدو أن مستقبل المقاربة الأمنية يتجه إلى الاندحار والاندثار

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *