At your convenience
December 24, 2017
ENTHUSIASM
January 1, 2018

من أغوار الفكر النمطي

حيثما تم طرح موضوع التنمية إلا وتمت معالجته بطريقة شمولية عابرة تركز على الدولة وسياسات الحكومات القائمة. من غير المعتاد الانطلاق من عملية تشخيص وتشريح اضطرابات الشخص الواحد واعتبارها من أهم عوائق التخلف وإسقاط إفرازاتها على المجموعة ككل. هل الأمر بمثابة تملص من المسؤولية الفردية أم أننا بصدد مقاربة تعميمية تكتنف طريقة تفكيرنا؟

مع قليل من التمعن والتدبر لسلوكنا الفردي، ينتابنا الإحساس بالحيرة اتجاه نمطية أسلوب تفكيرنا وغياب الحس النقدي لدى الغالبية منا. فهل هذه النمطية تلقائية وبريئة من أي اتهام أم أنها نتاج فعل فاعل؟

ينبعث الفكر النمطي من غيابات المعتاد والمتعارف عليه لدى المجموعة من تراث وارث ثقافي، يتطور وينمو ويسود مع ركود المخيال الاجتماعي المتوارث. لا يقبل بحدوث رجة مفاجئة تشكك أو تستفز بديهيات الفكر القائم وتتسبب في هزات مماثلة تؤدي إلى زلزال فكري يستهدف أبجديات المتعارف عليه. لا محالة أن أنساق الفكر النمطي تخدم عملية استدامة الوضع الراهن وتجعل مسألة السيطرة على السلوك منتهية من خلال السيطرة على الإدراك. يتم إجهاض بوادر قيام أي نوع من الممانعة تشكك في شرعية كل ماهو قائم من فكر وممارسة، فيتم بذلك إتلاف جميع خلايا مناعة الممانعة بطريقة سلسة وعن طواعية تقوي قابلية الخضوع والسيطرة لدى الفرد الواحد

تغدو الحياة نمطية ورتيبة تنفر كل ما يزعج استقرارها الوهمي، لأن الفكر النمطي يسود كل الاتجاهات و يسحق كل الجوانب انطلاقا من الجانب النفسي مرورا بالسوسيو اقتصادي وصولا إلى كل ما هو ثقافي

الفكر النمطي فكر رديء يحارب الإبداع ولا ينفتح على الجديد، يقوم على القوة والغصب ولا يحترم أسمى حريات الإنسان المتمثلة في حرية التفكير والاختيار، يؤمن بفرض الوصاية على الآخر ويسفه قدراته الفردية

للفكر النمطي تجليات متعددة ومتناسلة يبقى أهمها غياب الإبداع والإجهاز على منابعه حيث تطفو الرتابة والملل إلى السطح. كما تصبح لغة الشارع هي اللغة المهيمنة مكان اللغة الأدبية لغة الإبداع والخلق. هناك محاربة ضمنية للشعر والفلسفة والمسرح و لكل محاولة قراءة نقدية للتاريخ والتراث
لا غرابة وبكل تأكيد أن يقع الانحطاط والتردي بدل الرقي والإقلاع

ظاهريا يتمتع الفكر النمطي بالقوة والجبروت لكنه داخليا يبقى هشا و مخترقا، يمثل التربة الخصبة لبذور التطرف والانحراف بجميع مظاهره، إذ يتآكل نسيجه الداخلي بغنى تناقضاته الداخلية

يكرس الفكر النمطي لسلطة الوجدان والعاطفة على الفكر عوض العقلانية. يقوم بتوظيف الرأسمال الديني والإيديولوجي والتراث الثقافي الجامد لاستمالة الجماهير و إخضاعها لنمط معين ووحيد

الطبيعة لا تقبل النمطية ويقوم وجودها على التنوع والتعدد، فهل يعقل محاربة قانون وجود البشرية أو إعادة صياغته؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *