ON PURPOSE
November 2, 2017
CONFUSING WORDS (lose & lost & loss)
November 9, 2017

الأمن الثقافي ومفصليته في الأمن القومي

كلما أثيرت مسألة الأمن القومي إلا ويتبادر إلى الذهن سلسلة مفاهيم تتعلق بالأمن من قبيل: الأمن الغذائي، والأمن الاجتماعي، والأمن الثقافي، والأمن البيئي والأمن الاقتصادي. يمكن اعتبار الأمن الثقافي أهم حلقات سلسلة الأمن القومي غير أنه لا يتم إدراك ذلك إلا من طرف القليل من الناس

في ظل التبعية وموقع الهوان الذي نعيشه بدأ الجميع يلمس وعن قرب حساسية مسألة الأمن الثقافي. فهناك غزو ثقافي بشع وعنيف يستهدف الهوية الثقافية للدول المستضعفة. إذ أن الغرب يعمل ومنذ زمن طويل على فرض قيمه اليهو مسيحية على البقية من خلال استراتيجيات متعددة تبقى أخطرها عملية السيطرة على الإدراك. لم يعد القوي يطمح فقط إلى السيطرة على خيرات الضعيف والتحكم في نخبه الحاكمة بل يريد صناعة مستهلكين لجميع منتجاته الاقتصادية والثقافية دون إبداء أي نوع من المقاومة أو النقد ويغتصب بذلك أسمى حريات الإنسان والمتمثلة في حرية الاختيار. تتم السيطرة على الإدراك عبر السيطرة على طريقة التفكير وكيفية استيعاب الأشياء وتوجيه عملية التصور نحو اتجاه واحد إلى حد السيطرة على نوعية الحلم وأفاق التطلع من خلال تقديم وفرض نمط عيش مثالي واحد وأوحد. تهدف العملية ببساطة إلى إلغاء الآخر وتسخيره للاستجابة لمهمة واحدة ومحددة ألا وهي الطاعة الغير مشروطة

فيكون بذلك الهدف هو خلق وتشكيل كائن اقتصادي بدل كائن بشري يتمتع بسيادته على ذاته وكيانه. إنها نوع من العبودية الجديدة ربما بكيفية سلسة ولينة لكنها أكثر خطورة مما سبق

تعتبر مسألة سيطرة القوي على الضعيف إحدى ثوابت الحدث التاريخي من خلال سيطرة القبيلة القوية على القبائل المجاورة، وكذا سيطرة دولة عظمى على دويلات مجاورة من أجل التوسع و الاغتناء، غير أن الأبعاد والأهداف قد تكون تعمقت وتشعبت بشكل أكثر بشاعة أو أن التاريخ ببساطة يعيد نفسه في إطار ما يعرف بدورة التاريخ

الغزو الثقافي هو تمهيد وتعبيد طريق لكل أنواع السيطرة، أكانت اقتصادية، أم سياسية أم عسكرية، إنه الرحم الذي تنبعث منه كل أنواع الاستعمار

للأسف في غياب إستراتيجية إعلامية فعالة وفي ظل إفلاس المناهج التربوية ينجح الغزو في اختراق النسيج الثقافي المحلي ويعمل على تفكيك خلايا النقد العقلاني الصحيح وقتل روح المواطنة الفعلية

هناك نخبة مثقفة تنوب عن الغرب في تمهيد وفسح المجال لغزو البيئة المحلية بادراك أو بدون إدراك، هي نخبة تعمل تحت تأثير عملية الانبهار بالأجنبي القوي والمتقدم والحداثي أو في سبيل الارتزاق النتن

يقدم اليابان أحسن أنواع المواءمة بين الحداثة والتراث والوعي بخطورة الأمن الثقافي، إذ أن الياباني يعيش النموذج الأمريكي خارج بيته لكنه يكرس حياة الأجداد داخل البيت وفي احتفالاته العائلية أو المحلية

الأمن الثقافي ليس ترفا يعالج بمساحيق التلميع من مهرجانات وندوات ومعارض وإنما مسألة هوية وكيان ووجود، فلنقل ببساطة مسألة حياة أو موت تتطلب ضخا مستمرا للأوكسجين في الجسد

تم نشره بصحيفة راي اليوم بتاريخ 29 شتنبر 2017 الأمن الثقافي ومفصليته في الأمن القومي

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *