فمدلول الأمن القومي واسع ومعقد لتشابك و تداخل عناصر تعريفه. بطريقة شمولية فهو يخص سلامة و حياة المواطنين داخل و خارج الحدود الأمريكية. كما يشمل حماية المصالح الأمريكية في جميع أنحاء العالم و الدفاع على نمط العيش الأمريكي عبر استدامة القيادة الأمريكية للعالم وتحديدها لآليات النظام الدولي. فيتداخل بذلك الاقتصادي مع الثقافي و السياسي. إذ كل ما يقوم به الدور العسكري و الاستخبارتي هو خدمة للبعد الاقتصادي و الثقافي
معظم خطابات المسؤولين الأمريكيين تركز على الدفاع عن القيم الأمريكية و اعتبارها مسألة مصيرية إلى درجة تعميمها على باقي دول المعمور. فالوعي الأمريكي السياسي يؤمن بالمنفعة و ثقافة المصالح و يكرسها كواقع معاش داخل المجتمع الأمريكي و كمبدأ مقدس في السياسة الخارجية لحماية مصالح الولايات المتحدة ولا يكترث بالعاطفة اومكارم الأخلاق. المصلحة هي من يفرز محددات الانتماء
يمكن تفسير المبالغة في التركيز على مسالة الأمن القومي من خلال عوامل متعددة. هناك العامل النفسي من خلال الإحساس الدائم بالخطر و اعتبار أمريكا هدفا لهجمات محتملة و متنوعة. هناك النزعة الأنجلو سكسونية التي تؤمن بالنزعة العدوانية للآخر و توظف كل ما هو متاح من أجل التصدي لها ( وخير مثال على ذلك أفلام علم الخيال التي غالبا ما تجسد الكرة الأرضية كهدف لهجمات من مخلوقات غريبة ونهوض الولايات المتحدة الأمريكية بدور المدافع عن كوكب الأرض). كما يعلم الجميع فتاريخ أمريكا القصير حافل بالحروب والنزاعات التي لم تنطفئ على مدى خمسمائة سنة والتي ابتدأت بإبادة الهنود و انتهت بالاستقلال عن الاستعمار البريطاني، من هنا الشعور الدائم بالخطر و التهديد. كما أن افتقار أمريكا لحضارة عريقة يشكل مركب نقص لدى الأمريكيين مما قد يفسر المبالغة في التأكيد على حماية القيم الأمريكية و اعتبارها الأسمى عالميا وتبنيها للسياسة الحمائية أحيانا لتجنب التنحي عن الريادة العالمية
تأتي استعارة “الأمن القومي” من خلال عمق البعد و الرؤيا. فكل ما هو“قومي” يمس كيان وهوية المجموعة ككل. فيكون بذلك النسق قويا و متينا و لا يسمح بمسه أو التفكير في تفكيكه
تبقى مسالة الأمن القومي من ثوابت الوعي السياسي الأمريكي وتحدد لسياسات الحكومات الأمريكية المتعاقبة. ماذا عنا ؟ لم أسمع يوما مسؤولا حكوميا يستعمل العبارة أو يكتفي فقط بالإشارة إليها. هناك فقط ترديد لعبارة الأمن القومي العربي لكن دون مخططات عملية واقعية جريئة
تم نشره على موقع انفاس بريس