March 7, 2016
March 11, 2016

أزمة الإبداع وواقع النمطية والتنميط

من المفارقة الانبهار بما وصلت إليه التكنولوجيا من انجازات خارقة للعادة مقابـل تراجع حس الإبـــــداع و الخلق لدى السواد الأعظم من الناس
حقا لا نستطيع مسايرة كل ما هو جديد في عالم التكنولوجيا التي اخترقت جميع الميادين بدءا من الصناعة وصولا إلى الطب، فأضحت بذلك جزءا محوريا في نمط عيشنا اليومي إلى درجة أن البعض يستبعد تماما إمكانية العيش دون تكنولوجيا ( خصوصا الأنترنت)، لكن يبدو هناك تراجعا في أداء الحس الإبداعي والخلق لدينا. فالإسهامات الثقافية، الصناعية و الفنية الحالية لا ترقى لمثيلاتها من القرن الماضي إلى درجة أن البعض بدأ يقوم بإعادة إنتاج ما تم إنتاجه سابقا

فهل هناك حقا أزمة إبداع ؟ هل تفوق الحس الاستهلاكي على نظيره الإنتاجي؟ هل كرست الانجازات التكنولوجية نزعات التواكل والكسل لدينا و أصابت ملكات الإبداع بالشلل؟ هل هناك أياد خفية تعمل على تركيع الناس عبر قتل الإبداع ؟ نحس بالتيهان عند محاولة التفكير في هذه الأسئلة

فكلمة إبداع اصطلاحا تعني ابتكار، إيجاد شيء غير مسبوق. فكل تفكير إبداعي هو تفكير خلاق أصيل ولن نخوض هنا في الحديث عن الإبداع الإلهي أو البدعة في المجال الديني

فوراء كل إبداع إلهام لفكرة معينة وفق تصور معين لتحقيقها ثم العمل على تكريسها على أرض الواقع. سواء أكان الابتكار ماديا أو فكريا فالفكرة هي المنطلق و دائما تكون نابعة عن إلهام مسبق

فالابداع يتطلب إعمال العقل و تطييعه على إنتاج الجديد أو تحسين لما سبق
نعيش نمط عيش متسارع وغني بالأحداث ولَّد الضغط لدينا مع الإرهاق الذهني و النفسي، فلم يعد لدينا حيز من الزمن للتأمل أو التفكر، كل ما نفكر فيه هو تحقيق دخل معين لإشباع الحاجيات. كما أن اندحار القيم بعد عملية إغفال و إقبار للقيم الإنسانية السامية من قبيل العمل الجاد، الاجتهاد، المواظبة، التضـحـيـة و الإصرار على بلوغ الهدف أدى إلى البحث عن الغاية دون الاكتراث بالوسيلة، البحث عن كل ما هو سهل و الابتعاد عن كل ما هو صعب، بذل أدنى مجهود لبلوغ أقصى مردود تحت غطاء العقلانية و الفعالية.

عملية الابداع ترقى، تفَّعل وتنشط مع كل ما هو روحاني وتتقهقر مع كل ما هو مادي وشهواني. كل شخص منا يكتنز مجموعة من الملكات المرجو تفعيلها وتنشيطها من أجل الخلق و الابداع. يبدو أن المنحى حاليا هو لصالح كل ما هو سريع / جاهز / سهل و عابر، فالكتب من الحجم الكبير لا تقرأ، المشاريع الفكرية أو الفنية التي تتطلب وقتا معينا للإنجاز لا تحظى حتى بالاهتمام ، المسرح يحتضر والنمطية سيدة كل المواقف. حتى المشاريع الاقتصادية الصغيرة تقلد و تنسخ بمجرد ظهورها. لا نستغرب إذن من تزايد قضايا النزاع حول حقوق الملكية الفكرية و تداعيات سرقتها

واقع النمطية يكرس الركوض و التكرار بينما يتطلب الابداع واقعا من الحركية، الاجتهاد و التحفيز لخلق التغيير

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *